+ -

الحقيقة التي وقفنا عليها في ولاية المدية، هي وجود حالة ترتيب للغموض، وتستر على مرض الجذري الذي يفتك بالماشية ولاسيما رؤوس الأغنام. ففي الوقت الذي يقول الأمين العام للغرفة الفلاحية لولاية المدية إنه لم تصلنا أي مراسلة أو شكوى أو معلومة من طرف الموالين والمفتش البيطري عن تسجيل حالة من حالات الإصابة بالجذري، يعود ليقول العكس من حيث لا يدري “إن الشكاوى التي وصلتنا من الموالين تتعلق بعدم حيازتهم اللقاحات الخاصة بهذا المرض”.. بعد أن يشير إلى أن حملة التلقيح ضد الجذري  لسنة 2016 لم يشرع فيها بعد. أمام محاولات التستر على المرض من باقي القائمين على تسيير المصالح الفلاحية والبيطرية، ترفض بعض الأصوات دخول بيت الطاعة، وتقول “إن ترتيب هذا التستر يندرج ضمن منظومة المنكر”. لذلك يعترف أحد البياطرة الخواص أنه وجد مرض الجذري في عدة مداشر في تابلاط وقصر البخاري. كما عثر على مرض أخطر من الجذري، وقال لنا “قالوا لنا يستحسن ألا تصرحوا بأي مرض موجود”. وموازاة مع ذلك، لم يستسغ مئات الموالين في الجلفة عزوف المواطنين عن شراء أضحية العيد، وربما أنهم يعملون بقاعدة “انتظر واسمع”، ذلك بعد أن فاق العرض الطلب، وانخفضت الأسعار قياسا بتلك التي طبعت السوق العام الفارط، لأن الجفاف وتشديد الرقابة على الحدود وسياسة التقشف كان لها مفعولها على الأسعار. لكن من غير أن يغيب منطق السماسرة ممن يتسببون في التهاب الأسعار في العاصمة، على نحو وضعوا فيه مسعى السلطات الساعية لإنشاء نقاط بيع في المدن الكبرى، موضع المضحك. ومع ذلك، فإن كثيرا من الموالين تسكنهم قناعة من أن مرض الجذري غير خطير وغير قاتل.أصبحت مسألة أضحية العيد كل سنة تحتل صدارة القضايا التي تولي لها السلطات العمومية أهمية في حساباتها، لكنها في كل مرة تتفاعل مع الأمر وتسوق خطابات للاستهلاك في اتجاه المواطنين والمربين (الموالين)، بدل أن تقدم حلا دائما، تنهي به هامش مناورات السماسرة والبزناسية وأنواع أخرى من المافيا، التي حولت المناسية الدينية إلى ظرف يضغط بثقله على كثير من العائلات الجزائرية.العارفون بسوق الماشية بالمدية، يقدمون هذه الولاية على أنها منطقة رائدة في تربية المواشي بعد ولايات: الجلفة والبيض والنعامة. لكنهم مثل كثير من الناس في هذه الولاية، ينامون ويستيقظون على القيل والقال بشأن مرض الجذري الذي سكن قطيع الغنم ببعض البلديات. لكن من غير أن يقدم لك أحد منهم معلومات أكيدة عن وجود المرض من عدمه، خاصة وأن الجزائر دأبت على التصريح بهذا المرض للمنظمة العالمية للصحة، كلما سجلت حالات خاصة به.”اليتيمة” للوقوف على “الحقيقة”إذا زرت قصر البخاري والبرواڤية وبني سليمان، سيدي نعمان، الشهبونية، تابلاط.. يقسم لك مربو الماشية أن قطيعهم من الغنم سليم من مرض الجذري، وأن ما يتداول هنا وهناك ما هو إلا دعاية مرتب لها لخفض أسعار الخرفان والكباش. في وقت لم تتسرب معلومات عن تصريح موالين لدى المصالح الفلاحية بتسجيلهم حالات مرض الجذري. بل وحتى الجهات القائمة على تسيير مصالح الفلاحة بالمدية، تقول إنها لا تحوز بعد على تصريحات من موالين تفيد أن قطيعهم مصاب بمرض الجذري، بل حرص هؤلاء على إحضار “اليتيمة” للوقوف على وجود المرض من عدمه بمنطقة عين بوسيف، وخلصت إلى إطلاع الرأي العام أن ما سجل حالات نادرة جدا.”حملة التلقيح ضد الجدري لسنة 2016 لم يشرع فيها بعد”..عندما قصدنا مقر الغرفة الفلاحية لولاية المدية لملاقاة رئيس الغرفة، بعد أن ضبطنا معه موعدا، لم نجده في مكتبه، اتصلنا به فأشار علينا بالتقرب من الأمين العام للغرفة الفلاحية السيد عبدالله قصير. عندما توجهنا بسؤالنا إلى الأمين العام الذي مفاده: إلى أي مدى تم التحكم في مرض الجذري بالمدية؟ أجاب الأخير قائلا “لحد الآن ليس لدينا أي معلومة رسمية عن وجود هذا المرض بهذه الولاية. وجود المرض يعني أننا نحوز على مراسلات أو شكاوى من مربي الغنم. لكن إلى غاية اليوم لم تصلنا أي مراسلة أو تصريح من أي مرب عن وجود مرض الجذري”. ويضيف “إذا كان المرض موجودا، المعني الأول بإطلاعنا على الحالات الموجودة هو المفتش البيطري على مستوى الولاية. لكن إلى غاية اليوم لم يطلعنا على أي شيء. ما يعني أن المرض غير موجود”. بل لم يتردد في تسمية الحديث عن هذا المرض “بالإشاعة”. وشملت ما مفاده أن كل الأمراض الحيوانية قادمة من ولاية البويرة. لكن أقوال الأمين العام تتضمن تناقضات وحتى ملابسات، فمن جهة يؤكد أنه لم يتم تسجيل أي حالة لمرض الجذري ومن جهة أخرى، يقول “إن حملة التلقيح لسنة 2016 لم تتم بعد، لأن المصالح البيطرية كانت منشغلة بحملة التلقيح ضد الحمى القلاعية التي مست رؤوس الأبقار، وبالتالي لم تقم بحملة التلقيح ضد الجذري. لكن ينتظر أن يشرع فيها خلال فصل الخريف عندما تنخفض درجة الحرارة”.شكاوى غير معلن عنها..وراح يبرر غياب عملية التلقيح ضد الجذري بانشغال المصالح البيطرية بحملة التلقيج ضد الحمى القلاعية. هذا المرض الذي مس 12 ولاية من الشرق إلى الغرب، ولو لم تتم هذه الحملة لضاعت الثروة الحيوانية من رؤوس الأبقار. لكن الأمين العام سرعان ما عاد للاعتراف بأن “التأخر في حملة التلقيح ضد الجذري أثر على الموالين ولكن ليس بشكل كبير”. قبل أن يضيف “الموالون الذين تقدموا بشكاوى بخصوص غياب اللقاحات ضد الجذري، هم الموالون الباحثون عن الحصول على بطاقات الانخراط “. لكن بهذا الاعتراف (وجود شكاوى بخصوص عدم حصول الموالين على اللقاح الخاص بمرض الجذري)، يكون الأمين العام قد ألهم الحقيقة من حيث لا يدري، وهي أن الجذري موجود طالما أن اللقاح الخاص بالمرض غير متوفر، والبياطرة قاموا بحملة التلقيح ضد الحمى القلاعية التي مست رؤوس البقر بدل رؤؤس الغنم. وقد اعتاد القائمون على تسيير المصالح الفلاحية كل سنة على القيام بحملة وطنية للتلقيح ضد الجذري، تقوم بها المصالح البيطرية.ألفا موال من أصل 7600 قاموا بتجديد البطاقةوتجري العملية، حسب المسؤول المذكور، إما بعقد اتفاق بين المصالح الفلاحية والبياطرة الخواص، أو يتم تكليف البياطرة التابعين للدولة بالقيام بالعملية، أو بتكليف البياطرة الخواص والعامين معا بالقيام بها. وتحصي ولاية المدية نحو 7600 موال (مرب)، يحوزون على بطاقة الانخراط “لكن الذين قاموا بتجديد بطاقات الانخراط هذا العام عددهم ضئيل ولا يتعدى ألفي موال، لأن الدولة لم توفر لهم مادة الشعير” يضيف. ويعني ذلك أن هناك ملابسات تسكن مواقع الموالين (المربين) والمصالح الفلاحية معا، خاصة وأن المسؤول ذاته يقول في معرض رده على سؤالنا (ما هو عدد رؤوس الأغنام بولاية المدية) “العدد الرسمي لرؤوس الغنم يحتسب فقط الرؤؤس التي خضعت للتلقيح. وبناء على ذلك، يتم تقديم الشهادة الطبية للموال”. لكن هل يعني ذلك أن ولاية المدية لا تتوفر على أضحية العيد التي خضعت للتلقيح هذا العام، خاصة إذا علمنا أن حملة التلقيح ضد مرض الجذري لم يشرع فيها بعد. يقول المسؤول المذكور “أضحية العيد موجودة ولكن لم يتم تلقيح النسبة الكبيرة منها”.تستر..عندما اتصلنا بمدير المصالح الفلاحية لولاية المدية على أمل الحصول على معلومات إضافية بشأن مسألة مرض الجذري، قام الأخير بإطلاع الأمين العام، بأنه مستعد للالتقاء بنا، ولكن بعد أن ينهي اجتماعا له في الولاية، يقول عنه إنه لا يدري متى ترفع جلسته. كما اتصلنا من مكتب الأمين العام بالمفتش البيطري للولاية، لكن تم إطلاعنا على أن المفتش البيطري غير موجود، فيما تحفظ من ينوب عنه عن التصريح. ما استنتجناه في ولاية المدية، هو وجود تستر من قبل المصالح الفلاحية والبيطرية التابعة للدولة والموالين على قضية مرض الجذري. مع العلم أن بعض البياطرة الخواص لم يترددوا في كشف المستور في هذه القضية، واعترفوا بتسجيل حالات لمرض الجذري بعدة مناطق.بيطري: “أنا شخصيا وجدت مرض الجذري في تابلاط..”وقال أحد البياطرة الخواص لـ”الخبر”، التقته بإحدى نواحي المدية، بعد أن طلب منا عدم ذكر اسمه ولا المنطقة التي يشتغل فيها “أنا شخصيا وجدت مرض الجذري في تابلاط. وهناك زميل عثر على هذا المرض بكل من أولاد كلة، وهي دشرة ببلدية العيساوية. كما تم العثور على مرض الجذري بقرية القبالجية”.. قبل أن يضيف “وجدت مرضا آخر يسمى (ecthyma) وهو أخطر من الجذري في تنقله وعدواه. ومن اصل 20 رأسا في حظيرة أحد الموالين، وجدت 3 رؤوس. فأنا كنت جالسا في بيتي في حدود الساعة التاسعة ليلا، فإذا بأحد مربي الغنم يطلبني عند الباب، وراح يشرح لي الأعراض الظاهرة على القطيع. ولما تنقلت إلى حظيرته وجدت مرض الجذري”. ونقل البيطري عن مربي الغنم قوله “إن قطيعه من الغنم كانت بصحة جيدة، وتعرضت للإصابة بالمرض عندما قام بشراء خروفين من السوق وأدخلهما وسط القطيع، إذ بعد يومين أصيبت 3 رؤوس بالجذري”. ويقول الطبيب البيطري “لقد اتصل بي زملاء بياطرة من قصر البخاري وقالوا لي إن هناك حالات لمرض الجذري بالمنطقة”.“قالوا لنا نحن البياطرة، لا تصرّحوا بأي مرض موجود..”ويرى أن التستر على مرض الجذري في المدية من قبل المصالح الفلاحية والموالين يعود إلى تجربة حادثة الحمى القلاعية.. إذ تعلم الموالون الدرس حين ذبح قطعانهم من الأبقار وبيعت بنصف الثمن. لذلك هم اليوم يخشون من التصريح بالمرض حتى لا يتم التخلص من ماشيتهم مجانا. ما يجعلهم يتكبدون خسائر فادحة. ولأجل ذلك يعترف صراحة قائلا “المصالح الفلاحية بالمدية قالوا لنا نحن البياطرة، يستحسن ألا تصرحوا بأي مرض موجود”. فهل هذا الخوف وراءه الحفاظ على الأمن القومي حتى لا تحاصر الماشية الجزائرية في الحدود، ويصوم المواطنون عن شراء أضحية العيد، خاصة وأن هناك حالات لمرض الجذري سجلت أيضا بكل من: البيض والنعامة وسيدي بلعباس، أم إن السلطات العمومية متخوفة من التوبيخ الذي قد توجهه لها المنظمة العالمية للصحة؟ ويتذكر المتحدث كيف حاولت المصالح الفلاحية في المدية خلال الأشهر الماضية في اجتماع جمع البياطرة، تضليلهم في مسألة المرض الذي أصاب الدجاج، إذ أشارت عليهم، بأن يقولوا إن الدجاج مصاب بمرض (نيوكاستل)، في حين أعلنت المنظمة العالمية للصحة أن المرض الذي أصاب الدجاج هو التهاب الرؤوس الفيروسي.مربون يتكفلون بالمرض لوحدهم..وأمام هذه الوضعية السائدة في المدية، لجأ المربون إلى التكفل بالمرض لوحدهم، خاصة وأن بعض الأصداء من بعض البلديات، تفيد أن الموالين يعيشون حالة رعب وخوف من الإجراءات التي يمكن أن تقدم عليها الدولة بالقضاء على القطيع داخل البؤر التي امتدت إليها عدوى الجذري. ولو أن المسؤولين القائمين على تسيير المصالح الفلاحية بالمدية يكونون قد قدموا تعليمات للموالين بعدم التصريح بالمرض على نحو ما فعلوا مع البياطرة. بل ويشير مواطنون في بني سليمان وسيدي نعمان والشهبونية وتابلاط وقصر البخاري والبرواڤية، أن خوف الموالين نابع أيضا من انهيار أسعار أضحية العيد هذه الأيام. وهي المناسبة التي دأبوا على استغلالها لبيع ما لديهم من قطيع حتى لا يتحملوا أعباء إضافية، خاصة وأن بعض البياطرة التابعين للقطاع العام، وفي خطوة لدفع الحرج عنهم، راحوا يقولون إن ما يتم تداوله بشان مرض الجذري، لا يعدو أن يكون دعاية هدفها تخفيض أسعار أضحية العيد.10 آلاف لقاح تم إخراجها بولاية البيضولكن محدثنا من البياطرة الخواص، يقول إن “الدولة كان يجب عليها أن تتولى حملة تحسيسية لفائدة المربين بضرورة التصريح بالمرض”. ويشير إلى أن “الدليل القاطع على وجوده حتى في ولايات أخرى، هو إذا كانت السلطات تقول إنه غير موجود، لماذا قامت بإخراج 10 آلاف وحدة لقاح بولاية البيض خاصة بمرض الجذري”. وأوعز سبب عدم قيام البياطرة الخواص بحملة التلقيح إلى سياسة التقشف التي أقرتها الحكومة.. “خلال العامين الماضيين، كانت الدولة تقدم اللقاحات إلى البياطرة الخواص، ويأخذ كل بيطري 10 دنانير عن كل رأس غنم و50 دينارا عن كل رأس بقر. لكن في ظل سياسة التقشف عهدت الدولة عملية التلقيح إلى البياطرة التابعين للقطاع العام، لكن هؤلاء لم يقوموا بحملة التلقيح، لأن البيطري التابع للدولة لا يتقاضى أي أجر عن التلقيح على اعتبار أنه يتقاضى أجره الشهري.. ما جعلهم لا يتنقلون إلى القرى والمداشر للقيام بالعملية، بل وأحيانا يتنقلون لتلقيح بعض الروؤس ثم يكفون عن العملية”.واستنادا إلى المعلومات التي قدمها، فإن اللقاحات ضد الجذري والحمى القلاعية غير متوفرة لحد الساعة. مشيرا إلى أن ولاية المدية تعيش حالة إهمال للثروة الحيوانية. بل إن القائمين على تسيير قطاع الفلاحة لا ينظمون دورات تكوينية لفائدة الفلاحين، عكس ما هو معمول به في: بجاية وتيزي وزو وعدد من الولايات.المرض والجفاف وراء انخفاض الأسعاروالواقع أن الحديث عن مرض الجذري بالمدية راح يتحول إلى كرة ثلج تكبر من يوم لآخر في أوساط الناس، ممن باتوا يعملون بقاعدة (انتظر واسمع) إزاء الإقبال على شراء أضحية العيد. ما أثر إلى حد ما في أسعار الخرفان والكباش، وجعلها تسجل انخفاضا في ظل توفر العرض أكثر من الطلب. ففي سوقي قصر البخاري وبني سليمان، بدت الأسعار متدنية، وتراوحت بالنسبة لكباش متوسطة بين 35 إلى 45 ألف دينار، بعدما كانت تتراوح العام الماضي بين 50 و70 ألف دينار. فيما تتراوح أسعار الخرفان بين 22 إلى 30 ألف دينار. ويرتقب بعض الموالين أن تأخذ الأسعار في الانخفاض مع الأيام الأخيرة لحلول عيد الأضحى، في ظل حالة الجفاف السائدة التي راحت تضغط بثقلها على المربين، ممن لم يعودوا قادرين على تحمل أعباء وتكاليف الأعلاف.سوق البيرين: العرض فاق الطلب والمشتري غائبلكن الشيء الذي لم يستسغه مئات المربين (الموالة) في سوق البيرين، الواقع على بعد 35 كيلومترا شرقي دائرة عين وسارة بولاية الجلفة، وهو واحد من أشهر الأسواق في المنطقة، هو لماذا غاب المشتري ولم يعد متحمسا للشراء على نحو ما كانت عليه الأمور في السنوات الماضية؟ فأينما وليت وجهك في سوق البيرين لا ترى إلا الخرفان والأغنام وآلاف الشحنات والعربات المتوقفة، قدم أصحابها من عشرات الولايات. ويقول لخضر، وهو أحد كبار المربين قدم من ولاية الجلفة “إن الأسعار المتداولة اليوم في السوق متدنية ومنخفضة للغاية مقارنة بالسنوات الفارطة. فالكبش الذي كنت عازما على بيعه بـ45 ألف دينار منحوني عنه 37 ألف دينار فقط”. ما لاحظناه في السوق، هو وجود حالة تحفظ من الإقبال على الشراء، ولم نعثر إلا على عدد قليل من الوسطاء القادمين من زرالدة وبومرداس والبليدة والجزائر وسطيف، وربما هؤلاء يعملون هم أيضا بقاعدة (انتظر واسمع) كحيلة للعب على الجانب البسيكولوجي للمربين ودفعهم إلى خفض الأسعار. ويقول لخضر “إن سوق البيرين يعد مرجعا لباقي الأسواق في الجلفة وفي البيض والنعامة، وإذا انخفضت به الأسعار ستبقى منخفضة في باقي الأسواق”.. بل يشير إلى أنه يرتقب أن تبقى الأسعار منخفضة حتى عشية العيد.لكن ما هي الأسباب المتحكمة في هذا الانخفاض؟ يجيب لخضر رفقة عدد من المربين “المشتري اليوم غائب، لأن العرض هذا العام فاق الطلب بكثير”. قبل أن يضيفوا “المشكلة تكمن في كون المربي مطالبا ببيع قطيعه نزولا عند الضغوطات التي تثقل كاهله، مثل دفع مستحقات الديون المترتبة على شراء الأعلاف، ناهيك عن كلفة الرعي والنقل، في ظل حالة الجفاف التي زادت من مخاوف المربين وأجبرتهم على بيع ما عندهم بأرخص الأثمان”. وما وقفنا عليه على مرمى حجر من السوق، هو أن سعر القنطار من الشعير يقدر بـ3500 دينار، فيما لا يقل القنطار من النخالة عن 3000 دينار. بينما يقدم (قبايلي.م)، مرب من دائرة البيرين، أسبابا أخرى كانت وراء انخفاض الأسعار، هي أن السماسرة الذين اعتادوا على تهريب الغنم إلى الولايات الحدودية الشرقية ضاق الحزام عليهم بعد أن تم تضييق الخناق على الحدود مع الشقيقة تونس، خاصة وأن الأصداء المنعكسة من سوقي البيض والنعامة تفيد أن سماسرة ولايات تبسة وسوق أهراس وأم البواقي وباتنة وخنشلة غير متواجدين بالوجه المألوف في هذين السوقين. فيما يشير عيسى، وهو مرب قدم من دائرة مسعد بقوله “إن غياب المشتري يعود إلى أن غالبية المواطنين لم يجدوا المكان الذي يضعون فيه أضحية العيد، بالنظر لآلاف الوحدات السكنية التي تم توزيعها هذه السنة”. لكن زميله نورالدين، موال قدم من عين وسارة، يرى أن “سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة، كان لها دور في خفض الأسعار، من جانب أن كثيرا من المؤسسات العمومية التي اعتادت شراء أضحية العيد توقفت عن الشراء هذا العام”.السماسرة كالعادة في العاصمة وغيرها..لكن الملاحظة التي يمكن أن يقدمها أي مواطن قادم من العاصمة أو من باقي المدن الكبرى، هي أنه رغم انخفاض الأسعار في الجلفة والنعامة والبيض، إلا أن أسعار الكباش والخرفان تبقى دائما مرتفعة بهذه المدن. يرى كل من لخضر وعيسى ونورالدين وقبايلي.. أن السبب يكمن في تدخل السماسرة القادمين من تلك المدن ممن يشترون ثم يعيدون البيع. ويقول أحد الموالين “إنني بعت خرفانا لوسطاء من براقي بسعر واحد 30 ألف دينار، لكن هؤلاء قاموا ببيعها بثمن لا يقل عن 42 ألف دينار”. وأشار إلى أن ما تروّج له السلطات العمومية بشأن البيع بالوثيقة لا أثر له في الجلفة، ولا أي ولاية رعوية سهبية.“ليس لدينا ضمانات للتنقل إلى نقاط البيع..”بل إن هذه القضية أخرجت بعض الموالين من صمتهم، وقالوا لنا “إن رئيس الفيدرالية الوطنية مازال يكذب على الموالة، ويقول لهم سنوفر لكم نقاط بيع في العاصمة والمدن الكبرى لبيع ماشيتكم”. وتساءل أحدهم قائلا “هل قدمت الدولة لهؤلاء المربين ضمانات في النقل والمبيت والأمن والأكل والشرب حتى يتنقلوا إلى هذه الولايات، أم إن المربي سيتحمل مرة أخرى هذه الأعباء والتكاليف؟”. وعليه، فإن هؤلاء يرفضون التنقل إلى أي ولاية بقطيعهم، ويرون أن نقاط البيع التي تم إنشاؤها في العاصمة مثلا هي لسماسرة وبعض المؤسسات. ويشير رئيس جمعية الموالة بولاية النعامة، محمد خضراوي، أن الدولة لم توفر أي شيء للمربين، بدليل أنها تبيع الشعير والنخالة لأصحاب المطاحن بـ1800 دينار للقنطار، في حين تبيعه للمربين بسعر يتراوح بين 3000 و3500 دينار. وعلى هذا الأساس، يرى أن “الموالة (المربين) مازالوا مهمشين ومقصين، ومازالوا إلى غاية اليوم يطالبون الدولة برفع الدعم المزعوم عن الأعلاف مقابل توفير الأعلاف الكافية لنشتريها بأموالنا الخاصة”.“الجذري غير خطير ولا يقتل..”عندما تسأل مربي الغنم والناس في سوق البيرين وعين وسارة وحاسي بحبح، عن مرض الجذري، لن يحملوا كلامك محمل جد، ويقولون لك “إنه غير موجود”. لكن ستواجه أشخاصا من عالم تربية الغنم يحاولون إقناعك بأنه مرض غير خطير، بدليل أن نورالدين الذي قدم من عين وسارة، يعترف بأن المرض موجود ولكنه غير خطير، لأنه غير مميت. وهذه القناعة يدافع عنها السيد محمد خضراوي من ولاية النعامة، ويقول إن “المرض موجود في النعامة والبيض ولكنه غير خطير ولا يقتل”. ولو أن لا أحد من هؤلاء حاز على اللقاح الخاص ضد مرض الجذري إلى غاية الساعة. ويقول قبايلي.م “مسؤولو الغرفة الفلاحية، قالوا لنا إننا سنقدم لكم لقاحات ضد الجذري، لكن منذ شهرين ونحن ننتظر ولم يقدم لنا أي شيء. بل لا يوجد أي مرب في البيرين حاز على أي لقاح”. والواقع، أنه لا السلطات العمومية ولا المواطنين يلتفتون إلى عالم تربية الأغنام إلا بحلول مناسبة عيد الأضحى، مناسبة يركب أمواجها السماسرة لتحويل الفرحة إلى ظرف ضاغط.. في وقت كان يفترض أن تلتفت السلطات العمومية إلى تنظيم سوق الغنم.. لكن أن يتم التستر على مرض الجذري، وأن يقتنع كثير من المربين بأن المرض غير خطير ولا يقتل، فذلك هو الخطر والمصيبة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات