"لا حياة كريمة دون أجر قاعدي بين 30 و35 ألف دينار"

+ -

 يرى فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، أن سياسة التقشف ستكون لها أضرار عملية على الحقوق الاجتماعية والثقافية للجزائريين. ويشدد في هذا الحوار لـ«الخبر” على ضرورة التعامل مع الأزمة وفق أسس عادلة لا تكبد الطبقات المحرومة لوحدها تبعاتها. ويشير إلى أن هناك حقا منسيا في الجزائر على الدولة أن تنتبه له، هو حق المواطن في الإنتاج، لأن عليه تقوم كل الحقوق الأخرى.هل تعتقد أن الحقوق الاجتماعية والثقافية مصانة في الجزائر؟ لا أعتقد أن ثمة دولة في العالم العربي والثالث، تبذل أكثر من الجزائر في مجال الحقوق الاجتماعية، وميزانية الدولة تشهد بذلك، فالتحويلات الاجتماعية تمثل حوالي 25 بالمائة. آثار الدعم على السلع والخدمات يلمسها المواطن في سعر الخبر والحليب المدعومين وتسقيف أسعار سلع أخرى، كما أن أسعار البنزين والكهرباء والماء أيضا مدعمة ويكاد يستفيد منها المواطنون بربع أسعارها الحقيقية. كما تضمن الدولة السكن الاجتماعي والمدرسة المجانية والصحة المجانية والضمان الاجتماعي والعلاوات العائلية. وهذا كله ليس منّة من الدولة، بل هو حقوق مضمونة بنص الدستور لفائدة المواطن الجزائري.قد تكون ذكرت النصف المملوء من الكأس فقط. في المقابل الأجر القاعدي الجزائري هو الأدنى، بحيث أصبح يلامس 100 أورو (18 ألف دينار في السوق السوداء). هل هذا كاف في اعتقادك؟ أوافقك أن هذا الأجر ليس كافيا أبدا في ظل الغلاء المستشري في السلع والخدمات غير المدعمة. نحن نعتقد أن هذا الأجر ينبغي أن يرفع من 18 ألف دينار حاليا إلى 30 أو 35 ألف دينار على الأقل، حتى يضمن الجزائري عيشة مقبولة. أنا عندما تحدثت عن الحقوق الاجتماعية، ذكرت ما تبذله الدولة من جهود، وهذا لا يمكن إنكاره، فالأرقام تشهد على ذلك، لكني لم أقل أن توفير هذه الحقوق يضمن للجزائري عيشة كريمة، لأن الوصول إلى هذا المستوى لا يزال بعيدا رغم الجهود.لكن ما هو السبب الذي جعل من كل هذا الإنفاق على الجانب الاجتماعي لا يوصل المواطن إلى عيشة كريمة؟ هناك أسباب عميقة لذلك. الجانب الاجتماعي لا يمكن فصله عن طبيعة الاقتصاد. للأسف اقتصادنا غير منتج وهو مبني على الريع. أي أننا نعتمد في كل شيء على الاستيراد. لا بد من هيكلة للاقتصاد، وهذا يمر عبر إعادة الاعتبار للفلاحة حتى تكون لنا سيادة داخلية على غذائنا بالدرجة الأولى. مهما تحدثنا عن تطوير الاقتصاد، لا يمكن أن نقفز على حقيقة أن طابع الاقتصاد الجزائري فلاحي بالدرجة الأولى ولا بد من العودة إلى الأرض. هناك من يعتبر أن للمواطن دورا في تكريس نظام غير منتج في الجزائر، من خلال الاعتماد فقط على ما تجود به الدولة.. ما رأيك؟ كنا قد تحدثنا في اللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان عن “حق المواطن في الإنتاج”. هذا حق من النادر الحديث عنه، رغم أن كل الحقوق الأخرى تقوم عليه، فهو من يخلق الثروة ويجعلها تتوزع على باقي الحقوق. لا بد على الدولة أن تزيل على المستثمر كافة العراقيل التي تمنعه من الإنتاج، كتوفير العقار وتسهيل عمل الإدارة والجمارك. نحن لسنا شعبا كسولا كما يراد الترويج لذلك، نستطيع العمل والإنتاج كغيرنا من الشعوب، ما ينبغي فقط فعله هو توفير الإطار اللازم لذلك.هل هناك قوى تمنع عن الشعب ممارسة حقه في الإنتاج؟ بالطبع.. إنهم بارونات الاستيراد. لا يهم هؤلاء أن يتحول الاقتصاد الوطني إلى منتج، يريدون تكريس تبعية مطلقة للخارج. لا يعلمون أو ربما يتعمدون ذلك، على الرغم من أن هذه السياسية ستكون عواقبها تدميرية على الجزائر. لا بد أن نخلّص الجزائريين من كل الأغلال التي تحول بينهم وبين استغلال الخيرات الموجودة في بلادهم. أنا لا أتكلم هنا كاقتصادي، ولكن كحقوقي، وأعتقد أن هذا من صميم نضالي.ما هو متوفر من حقوق.. هل سيكون مهددا مستقبلا بفعل السياسة التقشفية للحكومة في اعتقادك؟ أنا أقول إنها في خطر، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. الدولة اليوم تبدو غير قادرة على الاستمرار في الإنفاق على الجانب الاجتماعي كما كانت من قبل، بسبب تراجع مداخيلها من البترول التي تمثل الجزء الأكبر من عائداتها الجبائية. الخوف الأكبر أن تضحي الدولة اليوم ببعض الحقوق، وهذا وارد، وقد بدأ حجم الدعم يتضاءل في بعض السلع.في ظل هذا الوضع.. ما هو واقع العدالة الاجتماعية كمفهوم وممارسة في الجزائر؟ مازلنا لم نصل إلى عدالة اجتماعية بالمفهوم المرجو. هناك فئات في المجتمع محرومة وفئات أخرى تملك الملايير. رغم أن الدولة تحاول تحسين ظروف عيش الطبقة الكادحة، إلا أن الفارق بين الطبقات لا يزال شاسعا. صحيح أنه ينبغي دعم رجال الأعمال للاستثمار حتى يوفروا مناصب الشغل، لكن لا ينبغي على الإطلاق أن يتحوّل الدعم إلى إعفاءات وامتيازات على حساب الخزينة العمومية، في وقت نزيد الضرائب والرسوم ونرفع الدعم عن فقراء الشعب. كل مبالغة في تسيير الأزمة يكون ضررها فادحا، لذلك ينبغي مراعاة أن تكون عدالة في التوزيع بما هو متوفر من إمكانات لدى الدولة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: