+ -

حجّ بيت الله مناسك ومشاعر يعيشها الإنسان المسلم متقلّبًا في عبودية الله تعالى، بين امتثال أمره وتطبيق شرعه واتباع سُنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في أداء مناسك الحجّ، القائل “خُذُوا عنّي مناسِكَكُم” رواه مسلم، وبين ذِكْر الله والابتهال إليه سبحانه وتعالى. بعد أيّامِ قليلةِ من أداء الحجّاج فريضة الإسلام، تجرّدوا فيها لله تعالى من المَخِيطِ عند المِيقات، وهَلّتْ دموع التّوبةِ في صعيد عرفاتٍ على الوجنات، وضجّتْ بالافتقار إلى الله كلُ الأصواتِ بجميع اللّغات، وازدلفتِ الأرواحُ إلى مُزدلفةَ للمبيت، وزحفتِ الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطّوافِ بالكعبة المشرّفة، والسّعيِ بين الصّفا والمروة، سيعودون من البقاع المقدّسة فرحين بما آتاهم الله من فضله {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ}.ثمّ جعل الله عزّ وجلّ ختام المناسك الأمر بذِكْرِ الله أشَدّ الذِّكر، فقال سبحانه وتعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} البقرة:200، وإنّما أمر الله بهذا بعد الحجّ ليَظلّ المسلم على عهد الاستقامة والصّلاح ويواصل المسيرة في درب التّقوى والفلاح. لقد بشّر سيّد الخلق نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم مَن حجّ واجتنب المحظورات بغُفران ذنوبه، فقال: “مَن حجّ فلَم يرفث ولم يفسق رَجَع من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه” رواه البخاري، وقال صلّى الله عليه وسلّم: “والحجّ المبرور ليس له جزاء إلّا الجنّة”، والحجّ المبرور هو المقبول الّذي راعى فيه صاحبه شروط صحّة العمل وشروط قبوله، من إخلاص العمل لله تعالى، ومتابعة هديّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، واجتناب الآثام والأوزار والفسق والرّفث.هنيئًا لك أخي الحاج، فقد وُلدتَ بحجّك هذا ميلادًا جديدًا، وتركتَ وراءك رُكام الذّنوب، وحصيلة العمر من الآثام، وعُدتَ كيوم ولدتك أمّك، فاجعل من حجِّك بداية حياة جديدة، ومعاملة صادقة صالحة مع الله عزّ وجلّ، واستأنف عمَلَك فقد كُفيتَ ما مضى، ولكن الشّأن فيما بقي.فجاهد النّفس قدر المستطاع، واسْتَكْثِر من الطّاعات، وابتعِد عن السّيِّئات، فإنْ زَلَلْتَ بسيِّئة أتْبِعْهَا حسنة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “وأتْبِع السّيِّئة الحسنةَ تَمْحُها”، وإيّاك أن تهدم ما بنيتَ، وتُبدد ما جمعتَ، وتنقض كلّ ذلك، قال الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}.وقد سُئِل الحسن البصري رضي الله عنه: ما الحجّ المبرور؟ قال: “أن تعودَ زاهدًا في الدّنيا، راغبًا في الآخرة”، وقيل له: جزاء الحجّ المبرور المغفرة؟ قال: “آية ذلك أن يدع سيئ ما كان عليه من عمل”. فاحرص رحمك الله أن يكون حجّك مانعًا وحاجزًا لك عن مواقعِ التهلكة، وباعثًا لك إلى المزيد من الخيرات وفعلِ الصّالحات.ولا تنس الدّعاءَ لإخوانك، فقد كان سلفنا الصّالح رضي الله عنهم يَتلقون الحجيج عند قدومهم يَسألونهم الدّعاء، ويقولون: “استغفروا لنا”، لأنّهم قد عادوا من حجِّهم بلا ذنب فهم مظنّة قبول الدّعاء.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات