الغزوات.. الموت القادم من الزنك والزفت ودخان المفارغ!

+ -

دخان كثيف بلون مريب غزا سماء مدينة الغزوات الساحلية في غرب الجزائر، صبيحة الخميس رابع أيّام عيد الأضحى المبارك، واختنقت المدينة التي تجاوز عدد ساكنتها 50 ألف مواطن، حتى لجأ بعضهم إلى استعمال وسائل التنفس الاصطناعي، وآخرون توجّهوا إلى مراكز إدارية وأمنية للاحتجاج والتعبير عن سخطهم. إنها الطوارئ، مصنع “الزنك” عاد للإنتاج، وأصبح الحديث الرئيس في الشارع الغزواتي هو مدخنة مصنع الزنك ودخان مفرغة حي أدّاس، وبدأ السكان يعيدون عدّ موتاهم الذين قضوا بأمراض السرطان والأمراض التنفسية. “الخبر” تنقلت إلى عاصمة “السردينيات” في الساحل التلمساني، وحقّقت في وضعها البيئي بين الواقع والشبح والهاجس والإشاعة. انتشار مريب لأمراض السرطان والتنفس وترهّل العظام نصف مليون طن من النفايات الصلبة على حافة البحر “الخبر” في مصنع الزنك المركب الوحيد وطنيا وعربياعـــــودة الإنتـــــاج وهاجــــس الاحتجــــاج يتربع مصنع شركة الزنك على مساحة 20 هكتارا في زاوية من خليج ميناء الغزوات، على بعد 70 كلم من مقر ولاية تلمسان، وهو بمثابة مركّب صناعي ضخم دخل الإنتاج الفعلي سنة 1974، وكانت السلطات العمومية تعوّل عليه لتحويل واستغلال المعادن المستخرجة من منجم العابد جنوبي تلمسان.ولكن بعد توقف العمل بمنجم العابد، توجهت شركة “ميطانوف”، التي كانت تملك أسهم شركة “آلزنك”، لاستيراد المادّة الأولية من أمريكا اللاتينية، وبالتحديد من دولة بيرو، بكميات تصل إلى 80 ألف طن من معدن الزنك سنويا، ليُحوّل إلى صفائح الزنك، وهي المادة التي تُصدِّر الشركة نسبة كبيرة منها إلى السوق العالمية، في حدود 20 ألف طن، بينما توجّه 10 آلاف طن من منتج الزنك لاحتياجات السوق الوطنية، إضافة إلى 40 ألف طن من حمض الكبريت الموجّه لاحتياجات شركة سوناطراك ومحطات تحلية مياه البحر. الرئيس المدير العام لشركة “آلزنك” أحمد بن رحو استقبل “الخبر” وطاف بها في أهم ّالورشات بالمركب، مثل ورشة التأكسد والحمض، وبها توجد بها المدخنة التي تحوّلت إلى هاجس حقيقي لسكان المدينة كلما شرعت آليات المصنع في عملية تحويل وإنتاج الزنك، وما يترتب عن ذلك من دخان وغازات، منها ما يتطاير في السماء، ومنها ما يتسرّب إلى شاطئ البحر، على أمتار قليلة من آليات ومخازن المصنع. الرئيس المدير العام لشركة “آلزنك” قال لـ “الخبر” “نحن شركة مواطِنة، أنا ابن الشركة، وقبل ذلك أنا ابن مدينة الغزوات، وكل إطارات وعمّال المصنع الذين قاربوا 500 عامل معنيون بملف البيئة والدخان والغازات المنبعثة منه، لكن ما يجب أن يعرفه الرأي العام أن المصنع بمثابة مركب ضخم بمجموعة ورشات، وهو يقع في وسط مؤكسد، البحر من جهة، وبقايا المعدن المحوّل والآليات الضخمة من جهة أخرى. ومن أجل التكيف مع المعايير الدولية للإنتاج والمطابقة لمعايير السلامة البيئية، فإن من الضروري إعادة تأهيل آليات المصنع، خاصة ورشة التأكسد والحمض، كل 15 سنة، وهو ما حدث في سنوات 1987 ثم 2001، ويحتاج المصنع الآن عند عودته للإنتاج إلى تأهيل، بعد توقف دام أكثر من سنة تحمّلت فيها الشركة أجور المستخدمين دون إنتاج، وهو ما سنقوم به بعد حصولنا على دعم مالي كبير من السلطات العمومية بقيمة 5.1 مليار دينار ستوجّه للاستغلال، و1.2 مليار توجّه للاستثمار، فيما تمّ تخصيص 30 مليون دينار لتكوين إطارات وعمّال المصنع، كما أن نسبة معتبرة من المبلغ المخصّص للاستثمار ستخصّص لإعادة تأهيل ورشة التأكسد والحمض، الفرن العالي، أبراج الحمض وغيرها، وهو ما يتطلب أيضا خبرة وتقنية أجنبية.وحين سألت “الخبر” المسؤول الأول للشركة عن “البلبلة” التي عاشتها المدينة ذات خميس بعد عودة المصنع للإنتاج، وما رافق ذلك من حديث حول تفشي أمراض السرطان والأمراض التنفسية في المدينة بسبب الغازات المنبعثة من المصنع منذ أكثر من 40 سنة، قال أحمد بن رحو “توقُّف العمل منذ أكثر من سنة رفع نسبة التأكسد في آليات المصنع، وكانت هناك صعوبات تقنية عند الانطلاقة، وعند ملاحظتنا أنّه لم يتم التحكم المثالي في الغازات المتسربة والمنبعثة، وهو ما شعر به بعض سكان الأحياء الجنوبية للمدينة مثل حي الرملة، قمنا في الساعة التاسعة والنصف صباحا بتوقيف الإنتاج، وهذا بقرار سيّد من المديرية العامّة للشركة، لأن إطاراتنا يتحكمون في التسيير التقني للمنشأة، وعند ملاحظة أي خلل يتم التدخل الفوري. وفي حدود الساعة العاشرة استقبلنا بعض المواطنين وشرحنا لهم الأمر. وعن الأمراض المتفشية في المدينة، فالأمر يحتاج إلى دراسات وتحقيقات علمية ميدانية وموضوعية لإثبات إن كانت هذه الأمراض تسبّبها الغازات المنبعثة من المصنع أم لا، بعيدا عن الإشاعات والتهويل”. ومن خلال جولتنا داخل ورشات مصنع الزنك، كان عمّال الشركة كلهم فرحين ونشطين بعودة العمل، وكانت صفائح الزنك تلمع متتابعة فوق سلسلة الإنتاج. أحد العمّال قال لنا “هذه بركة.. هذا خير كبير”. من جهته قال محمد نهاري رئيس المصلحة الحساسة بالمركب مصلحة التأكسد والحمض لـ “الخبر” “أنا أشرف على العمل بالورشة التي توجد بها المدخنة، وأولادي وأفراد عائلتي يقيمون قريبا من المصنع، وأخاف عليهم مثلما يخاف الناس على أبنائهم”، مضيفا “هناك معايير يتم احترامها في عملية إطلاق الإنتاج، ونحن نقضي أحيانا 12 ساعة عملا في الفترة الليلة من أجل التحكم في الوضع، والعملية تحتاج إلى جوّ من الهدوء والتركيز”. ونحن نغادر المركب الضخم، كنا نرى رأي العين تلك الأطنان المتراكمة من النفايات المعدنية الصلبة المكدّسة على قربة من الساحل التلمساني، والتي تقدّرها إدارة الشركة بقرابة نصف مليون طن من النفايات الصلبة تراكمت هناك منذ عقود، كما لاحظنا أن الحمام يموت يوميا في صمت بزوايا مصنع الزنك في الغزوات، في انتظار انطلاق تحديث آليات مركب ضخم هو الوحيد من نوعه على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.        

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: