+ -

عندما أثرت مسألة الفساد في إصدار الكتب المدرسية من الجيل الثاني، اتصل بي أحد الذين في بطنهم التبن في هذا الموضوع، محاولا استطلاع حجم المعلومات التي أكون قد حصلت عليها... ربما لتحديد حجم الخسائر التي يمكن أن تلحق بالعملية لو علم الرأي العام بالأمر! المتصل لم يذكر لا اسمه ولا صفته، ولكنني عرفت من خلال نبرته في الحديث ونوعية الأسئلة أنه من المجموعة إياهم التي تتمنى أن يبقى الحديث عن حكاية إصلاحات الجيل الثاني التربوية في حدود الحديث عن الأخطاء المطبعية في الكتب المدرسية، وفي أحسن الحالات البقاء ضمن المعركة الأيديولوجية في الإصلاحات التربوية، لأن الحديث عن الأيديولوجية في التربية هو أحسن تغطية عن الممارسات الفسادية المتصلة “بالحبات”، كما يقول صديقنا الكاتب الصحفي عمر بن ڤيڤة !عندما تحدثت وزيرة التربية عن أن المسؤولية في وقوع الخطأ المطبعي المتعلق بذكر إسرائيل في كتاب مدرسي عوض فلسطين، تساءل الناس عن السبب في إدخال طابو في موضوع الخطأ في إصدار كتاب مدرسي... ولكن الحقيقة جاءت صادمة، لأن الأمر له علاقة فعلا بإسناد إنتاج وطباعة الكتب المدرسية إلى المطابع وليس إلى هيئات تربوية في الوزارة! والملاحظ أن أغلب عمليات الفساد تمت في مؤسسات عمومية وليس خاصة. وهنا يكمن التساؤل.. فالمعلومات الأولية تقول: إن الوزارة أسندت عملية تأليف الكتب المدرسية في الإصلاحات الخاصة بالجيل الثاني إلى مؤسستين عموميتين للطباعة... وتمت العملية بصيغة التراضي... وبالمقابل، تقوم المطبعتان باختيار الأساتذة المختصين من قطاع التربية لتأليف هذه الكتب.. وطبعا يلعب الهاتف والعلاقات دورهما في تعيين هؤلاء لتأليف الكتب المدرسية.. ولا أحد يشك في الأمر، لأن المسألة تقوم بها مؤسسات عمومية لا يرقى لها الشك في التلاعب (بالحبات)! ويبقى السؤال أو الأسئلة المحيرة والتي تحتاج إلى إجابة عنها لإجلاء الأمور:لماذا تتخلى الوزارة عن مهامها التربوية لصالح مؤسسات طباعة لتشرف بدلها عن إنتاج الكتب من الناحية التربوية المتعلقة بالمحتوى! إذا لم يكن في الأمر “إن” ولكن ومهما يكن فإن! و«الإن” هنا متعلقة بإتلاف “بيست” الفساد الذي يكون قد حصل في الأمر.متى كانت مؤسسات الطباعة حتى ولو كانت عامة هي التي تشرف على محتوى ما تطبعه أخرى، وأولى أن يكون هذا له خصوصية تتعلق بالكتب المدرسية الحساسة.الوزارة تطبع حوالي 60 مليون كتاب مدرسي في العام وخاصة في عام الإصلاحات هذا، وتشتري الوزارة النسخة الواحدة من الكتاب المدرسي الواحد من مؤسسات الطباعة بـ250دج.. وأن مؤسسات الطباعة تدفع للمؤلفين نسبة 3% من السعر الذي تشتري به الوزارة... أي أن المؤلفين يأخذون حوالي 450 مليار باردة من هذه العملية والمؤسسات الطباعية والوزارة هما من يحددان المستفيدين من التأليف خارج أية رقابة.. وتسري هذه النسبة على إعادة طبع الكتب المدرسية في السنة الموالية.. وعلى فرض أن الذين اختارتهم مؤسسات الطباعة بالتنسيق مع الوزارة بالهاتف عددهم (1000) خبير مؤلف، فلكم أن تحسبوا كم يحصل كل خبير من هذه العملية! هنا تكمن أسرار إسناد حكاية طباعة الكتب وتأليفها إلى مؤسسات الطباعة وليس للجان وزارية كما كان من قبل.. ولهذا تسعد الوزارة ورجال الوزارة الذين اتخذوا هذا القرار المشبوه في طباعة الكتب وتأليفها، يسعدون ببقاء النقاش حول الإصلاحات في جانب الأخطاء المطبعية والأمور الإيديولوجية والابتعاد عن الموضوع الحقيقي في القضية، وهو قضية إنجاز هذه الأعمال وسط شبهات الفساد! هل فهمتم الآن لماذا كانت الوزارة تتستر على حكاية إنجاز الكتب التربوية للإصلاحات؟!المصلحة الوطنية تتطلب تسليط الضوء على هذه القضية وعندها ستعرفون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات