+ -

يشتكي السياسيون في الجزائر من التضييق عليهم في موضوع ممارسة الحريات العامة والخاصة... وحتى الحريات السياسية المتصلة بالتنظيم الحزبي؛ مثل الحق في التجمع، والحق في التظاهر، والحق في الاحتجاج.لكن المواطن يشتكي أكثر من تضييق الحريات، خاصة رواد مواقع التواصل الاجتماعي.ومؤخرا تزايدت وتائر التضييق على المحتجين في الاحتجاجات الاجتماعية، كما تزايدت وتائر المتابعات القضائية ضد رواد الفايسبوك.ويقدم هذا للرأي العام على أنه مساس خطير من طرف السلطة بالحريات العامة والخاصة والحريات السياسية.صحيح أن هذا التضييق ظاهرة سلبية تصادر حقوق المواطنين، وتجعل السلطة أيضا في حرج كبير أمام الهيئات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان، وأمام الرأي العام الوطني الذي يستهجن هذه التصرفات من السلطة.لكن القضية لها جوانب إيجابية لم تكن في حسبان السلطة ولا في حسبان المتضررين من الملاحقات... ولا حتى في حسبان رجال المعارضة السياسية.زيادة عدد المساجين ظلما في موضوع حرية التعبير أو حرية الاحتجاج أو حرية الممارسة السياسية والإعلامية، هو في النهاية عملية توسيع مستوى الوعي بالحرية وليس تضييقا عليها فقط.. فكلما زاد عدد مساجين الرأي والسياسة والإعلام زاد منسوب الاقتراب من الحرية.. فزيادة المساجين السياسيين يعبد الطريق إلى الخلاص الوطني من العبودية والظلم؛ لأن الحرية في بلدنا ما يزال مصدرها الزنزانات وليس المنابر السياسية أو الإعلامية.الحمد لله أن الحكومة الجزائرية أخذت هذا المنحى في التعامل مع الحريات بالقزول والحبس. وقد شيدت لذلك أدوات هذا التعامل... فدربت أجهزة الأمن على قمع الحريات والمظاهرات بما فيه الكفاية. ودربت جهاز العدالة على الاضطلاع بموضوع قمع الحريات بالقانون... وأوجدت لذلك ترسانة من القوانين الظالمة.وفوق هذا وذاك، شيدت الحكومة عشرات السجون ذات المستوى العالي بالمقاييس العالمية، حتى قيل عنها إنها فنادق 5 نجوم وليس بالسجون؟!ولابد للحكومة أن تراعي مردودية هذه السجون عن طريق ملئها بنزلاء الرأي والسياسة وليس نزلاء الحق العام فقط.. لهذا، فإن شباب الفايسبوك عليه أن يساير الحكومة في ضرورة رشادة استعمال هذه السجون بكثافة وكفاءة، لأن الحرية لا تخرج من الفايسبوك قدر ما تخرج من الزنزانات في هذه السجون... وما تقوم به الحكومة من تخويف للفايسبوكيين بالزج بهم في السجون، ما هو إلا مساعدة هؤلاء على التحرر من الخوف من الظلم والظالمين، وتحريرهم من التردد في ممارسة الحرية، حتى ولو كانت نهايتها في السجن.فعندما يصل عدد المساجين إلى 50 ألف سجين رأي، وهو الرقم الذي تستوعبه مؤسسات السجن عندنا... عندما يحدث ذلك، سيتحول السجن إلى جامعة سياسية للحرية وليس محشرا للفايسبوكيين الأحرار.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات