+ -

مقالك المعنون “ميت ويخاف مالموت”، والذي أشرت فيه إلى وضعية الشعب الجزائري، دفعني إلى اكتشاف آخر وهو أن بلادنا أصبحت بدورها مقبرة. والدليل على ذلك أن جل عظمائها يأتونها من الخارج ليدفنوا فيها. إنهم يتواجدون في الخارج عندما يكونون أحياء ويدخلون الجزائر أمواتا ليدفنوا فيها. وكأن بلادنا لا تصلح إلا كمقبرة خاصة للنخبة، جاءوا من الخارج ليدفنوا في الجزائر، وكأنها لا تصلح إلا للموتى من النخبة، أما البقية فلا تهم.بوساحية عبد الله/ مهندس وكاتب صحفي1- وأزيد على ما قلت، أن المقابر في الجزائر أصبحت أهم مكان يلتقي فيه الفرقاء السياسيين حول نعش راحل، ولا يلتقون في ندوة أو مؤتمر أو مؤسسة دستورية أو أية مناسبة دينية أو وطنية.2- وأزيدك من الهم غما، أن مقبرة العالية التي كانت تمثل الوحدة الوطنية للأموات الراحلين أصبحت خلاف ذلك.. فالذوات المهمة بالسلطة وليس بالأفعال شيدت لها قصورا في العالية وليس قبورا. ولكن الشباب الناقم على حكم هؤلاء في الحياة جعل الشباب يقوم بأفعال مشينة ضد هذه القبور القصور. فأقدم الأحياء في الحكم على وضع هذه القبور في السجن حماية لها من عبث الشباب. فسيّجت القبور القصور بأصفاد تشبه أصفاد سجن الحراش.. وأصبح من يريد الترحم على هؤلاء لابد له من طلب رخصة من حراس سجون القبور القصور.. حتى الترحم على هؤلاء أصبح برخصة. هل هناك أسوأ من هذا؟ لهذا قرر بعض الشرفاء من رجالات الحكم بأن لا يدفنوا في مقبرة العالية هروبا من مثل هذه الظواهر.3- لكن حتى بعض المقابر الأخرى دخلها التمييز في الدفن أيضا، فقد خصصت مثلا مقبرة سيدي يحيى مربعا للشخصيات المهمة الذين رفضوا أن يدفنوا في العالية مثل بن خدة ومهري والميلي وصوت العرب وشخصيات أخرى! والجميل في الأمر أن مهري مثلا دفن في هذه المقبرة في مكان غير مربع المهمين، ولكن جهة ما نقلت رفاته من مكانه الأول الذي دفن فيه بين عامة الناس إلى المربع الخاص بالمهمين! وقد دفن الميلي بالقرب منه وبالقرب من بن خدة وصوت العرب، وغيرهم كثر من الأتقياء في النضال والحكم.4- هكذا انتقلت المفاضلة بين المجاهدين ورجالات الحكم إلى مفاضلة أخرى، وهي المفاضلة بين الأموات من هؤلاء، تماما مثلما كانت المفاضلة بين الشهداء في بداية الاستقلال، تجري على مستوى إطلاق أسماء هؤلاء على الشوارع والمدن!5- الآن أصبحت هناك شبه أزمة في تكفل الحكومة بدفن الأموات مجانا، لأن المقابر ضاقت بنزلائها. ولهذا أصدرت الحكومة مرسوما تسمح فيه بدفن العائلات لموتاها في حدائق منازلها، تماما كما كان يفعل “الكولون”. وقد تعمد الحكومة إلى إجراء بيع القبور للموتى كما هو الحال في أوروبا. وقد يصل الحال إلى حرق الجثث أو دفنها واقفة، كما دفن بومدين كلبه عنتر واقفا في حديقة الرئاسة.هل فهمتم الآن لماذا كانت قضية المقابر أهم قضية شغلت الوزير الأول سلال خلال لقائه بالولاة.. فمسألة الموت أصبحت أهم من مسألة الحياة في نظر حكومة الجزائر[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات