مفــردات “الحـرب” تعكــس شعــور نظــام بوتفليقــة بالخـطر

+ -

مرّ الشاذلي بن جديد ومحمد بوضياف وعلي كافي واليمين زروال الذين تعاقبوا على حكم الجزائر، منذ التعددية، بظروف سياسية وأمنية واقتصادية أصعب وأعقد مما واجهه عبد العزيز بوتفليقة، ولكن لا أحد منهم شبّه المعارضة والصحافة بالاستعمار.. ولا أحد منهم حرّض الجزائريين عليهما بألفاظ أقرب إلى تعليمات حرب ضد عدوّ خطير.يستدعي الخطاب المنسوب لرئيس الجمهورية ملاحظات دقيقة. فمن حيث الشكل، لم يخاطب بوتفليقة الجزائريين شفاهة منذ آداء اليمين الدستورية في 28 أفريل 2014، وحينها بذل مجهودا مضنيا لقراءة خطاب بالمناسبة وبالكاد استطاع أن يكمل فقرة من 100 كلمة! ومادام الرئيس لم يقرأ الخطاب بنفسه، وإنما تكفل بـ«المهمة” مستشاره بن عمر زرهوني المكلف بصياغة الخطب، فذلك يضفي مزيدا من الشكوك حول قدرة الرئيس على آداء مهامه.ثم إن هناك جزئية هامة في هذا الموضوع بالذات، هل يعقل أن شخصا يبلغ من العمر 78 سنة، يعاني من تبعات الإصابة بجلطة في الدماغ، يمكنه أن “يعصر مخّه” فينتج خطابا من حوالي 3 آلاف كلمة، تستغرق قراءته تلفزيونيا 40 دقيقة ويستخدم فيه كلمات عنيفة فيها التحريض والتهديد والتشبيه بالعدو؟!! هل فعلا النص الذي قرأه زرهوني في غرداية، هو لبوتفليقة شخصيا؟ أم لمسات شقيقه وكبير مستشاريه طاغية عليه؟ هل هو عصارة موقف وتفكير الجماعة اللصيقة به، التي يرتبط مصيرها بمصيره؟عندما يدافع بوتفليقة عن مسعى الحكومة البحث في باطن الأرض عن المحروقات، وربط ذلك بدواعي التنمية، فهذا يعني أن التنمية مقتصرة حصريا على اقتصاد الريع، وأن لا بديل عن الغاز والنفط. وهذا يعني بدوره أن حياة “السيستام” مرهونة بما يوجد في باطن الصحراء. وبدعوته سكان عين صالح المحتجين إلى التعقّل والحكمة، معناه عند بوتفليقة أو من كتبوا الخطاب، أن كل من يعبّر عن عدم رضاه عن مشاريع السلطة، متهوّر لا يريد الخير للبلاد! وقد استعمل بوتفليقة، وهو يهاجم المعارضة والمحتجين على الغاز الصخري، كلمة “منكرات”، وهذه لفظة دينية الهدف منها تخويف المواطنين. وفي سياق الهجوم الحاد على المعارضة استعمل جملة “سياسة الأرض المحروقة”، فهل يقصد تنسيقية الانتقال الديمقراطي أم قطب التغيير، أم بن فليس أم الجمعيات التي تعبئ لإفشال مشروع الغاز الصخري؟ وبالحديث عن “الأرض المحروقة، يشبّه كاتب أو كتّاب الخطاب المعارضة بالاستعمار الفرنسي، معنى ذلك أنه تم تصنيفها كعدو، والعدوّ تستعمل ضده كل الأساليب لقهره. أما الحديث عن “الوصول إلى حكم البلاد حتى ولو كان ذلك على أنقاض دولتنا وأشلاء شعبنا”، فالمقصود هنا هو مطلب المعارضة تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، وتشكيك الاتحاد الأوروبي في نزاهة انتخابات 17 أفريل 2014. بعبارة أخرى، بوتفليقة أو من يتحدثون باسمه، يعتبرون من يطمح إلى خلافته خائنا ويريد الشرّ للبلاد، وبالتالي لا بد من إعلان الحرب عليه!وأقحم الرئيس الدولة في مفردات الحرب مهددا بـ«الحزم والصرامة” للدفاع عنها، بينما يفترض أن يوظّف الحكومة أو السلطة التنفيذية، لأن المعارضة انتقدت سياسات حكومية وممارسات أشخاص يسيّرون شؤون البلاد، ولم تهاجم الدولة. وفي الأنظمة الديمقراطية، تعدّ المعارضة جزءا من الدولة. وذهب الرئيس أو من كتبوا الخطاب، بعيدا عندما يحرّضون المواطنين ضد المعارضة بحديثهم عن ضرورة الخروج عن الحياد، عندما يتعلق الأمر بديمومة الدولة! ولماذا يطالب بوتفليقة ومن معه، المواطن بالخروج من حالة المتفرّج؟ هل يشعر الرئيس بأنه وحيد لا يملك سندا شعبيا؟ هل “المسيرات العفوية” لم تعد طريقة مجدية للدفاع عن ديمومة النظام، أم لم تعد ممكنة؟الأكيد أن الخطاب المنسوب لبوتفليقة يكشف عن قطيعة نهائية بين السلطة والمعارضة، ويعكس ربما لأول مرة أن النظام البوتفليقي يشعر بخطر يهدد كيانه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات