+ -

رحيل المغفور له، بإذن الله تعالى، رئيس الحكومة الأسبق، إسماعيل حمداني، هو رحيل لرجل دولة بكل معنى الكلمة، يجمع بين الثقافة والتأهيل العالي، وبين فن ممارسة السياسة بكفاءة عالية..1 - عرفت المرحوم إسماعيل حمداني سنة 1973 وأنا أمارس مهنة الصحافة في أولى سنواتها.. كان الاجتماع في مقر الحزب في ساحة الأمير عبد القادر، ترأسه المرحوم بومدين، وكان إسماعيل حمداني يجلس إلى جانبه... ضم الاجتماع رؤساء الأقسام بجهاز الحزب الذي غادره المرحوم ڤايد أحمد بعد أزمة 1971، بين بومدين وڤايد أحمد، حول موضوع الثورة الزراعية. حضر الاجتماع المرحوم محمد شريف مساعدية، مسؤول الإعلام، والمرحوم كابويا وعلي عمار وغيرهم.. طرح الحاضرون على الرئيس بومدين فكرة وجود أناس في مناصب حساسة في الدولة وهم ليسوا مناضلين في جبهة التحرير.. فرد بومدين: أمامكم هذا الوطني الملتزم إسماعيل حمداني، فهل نتهمه بقلة النضال وهو يقوم بما يقوم به من عمل بكفاءة ونضال! وسكت الجميع أمام حجة بومدين.2 - إسماعيل حمداني رجل مثقف وخريج جامعة القرويين بالمغرب، زيادة على أنه يحمل الإجازة في الحقوق.. كان المرجع الدائم للرئاسة في عهد بومدين في المسائل القانونية، وهو محب أيضا للثقافة، فيندر أن تجد اجتماعا أو محاضرة ثقافية لا يحضرها إسماعيل حمداني.قال لي ذات يوم إنه دخل على بومدين في مكتبه وأبلغه بأن جماعة خيدر قد سمحت لهم السلطات السويسرية بسحب أموال جبهة التحرير من البنك، وأن المعنيين قد تقاسموا هذه الأموال بعد سحبها... وأشار حمداني على بومدين بأن ترفع الحكومة الجزائرية دعوى قضائية ضد البنك السويسري... ولكن بومدين قال له: هل أنت على يقين بأننا سنكسب القضية ضد البنك؟ فقال له حمداني لا... لست متأكدا... فقال بومدين: الذين مكنوا لهؤلاء من مال الشعب الجزائري يمكن لهم أن يمكنوا هؤلاء من الحكومة الجزائرية بحكم قضائي جائر... ولذلك من الأفضل أن لا نبهدل الحكومة بعملية غير مضمونة النتائج.3- إسماعيل حمداني رجل نظيف، فلم نسمع أبدا أنه تورط في قضية مشبوهة طوال حياته السياسية والإدارية، وهو في هذه شبيه بالمرحوم بومدين.. وأنا شاهد على ذلك.. دعاني إلى مكتبه في رئاسة الحكومة... وقال لي إن جهات أرسلت إليه شخصا اسمه شرفة ليعرض عليه صفقة “جازي” بـ300 مليون دولار، فقال له حمداني: من قال لك أنني “بتية” لا أفهم في الاقتصاد؟! كيف أعطيك رخصة النقال بـ300 مليون دولار، والمغرب الشقيق باع نفس الرخصة بـ1.2 مليار دولار، وسوق المغرب في هذا القطاع السيادي نصف سوق الجزائر!ولكن هذا حصل بعد رحيل إسماعيل حمداني من الحكومة! وقال لي أيضا أن نفس الشخص أرسلته له نفس الجهة ليتوسط في موضوع شراء طائرات للخطوط الجوية الجزائرية من الإمارات ورفض، لأن الإمارات دولة غير منتجة للطائرات، والسوق مفتوحة أمام “أربيس” و«بوينغ”.. ولكن الشخص نفسه طلب الوساطة بين الخطوط الجوية الجزائرية و«بوينغ” مقابل عمولة قدرها 6%، ورفض إسماعيل حمداني العرض. ونفس المحاولة تمت أيضا في مجال بناء المطار، وقد كان، رحمه الله، يرتاح إليّ ولذلك حدثني عن أشياء رهيبة قد لا يسمح المجال لذكرها في هذه المناسبة الأليمة، ونحن نودعه إلى مثواه الأخير... هذا الرجل وأمثاله هم من كانوا السبب في بقاء الجزائر واقفة.. رحمة الله عليه.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات