+ -

معضلة الصحافة العمومية ليست في التنظيم وإعادة التنظيم التي تقوم بها الحكومات المتعاقبة لفائدة هذا القطاع، بل المشكلة تكمن أساسا في ضرورة كف يد الحكومة عن هذا القطاع وتحويله من قطاع حكومي إلى قطاع عمومي.بمعنى أدق، لا يمكن إصلاح أداء القطاع وتحسين عمله إلا إذا أصبح قطاعا عموميا وابتعد عن التسيير الإداري الحكومي لهذا القطاع بواسطة الهاتف، سواء قطاع الصحافة المكتوبة أو السمعي البصري.حالة عزوف المواطنين عن التعاطي مع هذا القطاع مرده إلى هيمنة الحكومة على الأداء الموجه والمحنط، الذي تعرض له القطاع طوال عقود.. وفق الفهم الخاطئ للإعلام العمومي وتحويله إلى إعلام حكومي.إعادة هيكلة القطاع في مجمعات لا تفيد في شيء بخصوص مسألة عزوف المواطنين وزهدهم فيما يقدمه هذا الإعلام.. والصحيح هو تحرير هذا القطاع فعليا من هيمنة الحكومة.. أو على الأصح تحريره من سيطرة الحكومة عليه بواسطة التسيير الإداري للقطاع، بحيث تحولت المؤسسات الإعلامية العمومية إلى مؤسسات دعائية مبتذلة للحكومة ولرداءة الأداء الحكومي العام.يخطئ من يعتقد أن تحرير القطاع يضر بأداء الحكومة، بل على العكس تماما، فإن تحرير القطاع وتمكينه من أداء دوره الإعلامي العمومي بإمكانه أن يساعد الحكومة على تحسين الأداء ومساعدة السلطة في محاصرة الفساد وسوء التسيير.. والطبيعة العمومية لهذا القطاع هي التي يمكن أن تساعدها أكثر على أداء هذا الدور بعيدا عن مصائب ومصاعب القطاع الخاص.أول ما يمكن إصلاحه في هذا المجال هو إخراج مسألة تعيين وإنهاء مهام المسؤولين عن القطاع من دائرة الحكومة... كأن يشكل مجلس إدارة لمؤسسات القطاع، يعيّن أعضاء هذا المجلس بالتساوي بين الجهاز التنفيذي والجهاز التشريعي ومجموعة العاملين في القطاع.. ويتم عبر هذا المجلس انتخاب المسؤولين عن التسيير وإنهاء مهامهم بنفس الظروف والطرق.يجب أن يخضع تسيير هذه المؤسسات إلى درجة عالية من الشفافية والمهنية بعيدا عن الزبائنية والجهوية.. وأن يخضع التسيير إلى دفتر شروط وتعاقد يتم بين المسيرين والمجموعة الوطنية المشرفة على رقابة أداء هذا القطاع.فكرة أحمد أويحيى القائلة أنه لا ينبغي أن تكون صحافة الحكومة صحافة “شيتة” فكرة جديرة بالتأمل.. لأن صحافة “الشيتة” الحكومية وغير الحكومية أصبحت لا تؤدي حتى غرض “الشيتة”، مع تنامي الإعلام الاجتماعي الذي لا يعترف بالرقابة والرداءة و”الشيتة”.ومن هذه الزاوية، فإن إعادة الهيكلة لقطاع الإعلام العمومي إذا لم تأخذ بيع الاعتبار مسألة الكفاءة والحرية، فلن تكون لهذه الهيكلة أي فائدة، وستكون مضيعة للوقت والجهد والمال من جديد.. وتضع العاملين بالقطاع أمام مصير مجهول بسبب شح الموارد وعدم تجديد مصادرها بسبب الركون إلى الحلول السهلة في تسيير مؤسسات القطاع.. هذا هو لب المشكل.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات