+ -

بوتفليقة وجه رسالة إلى الجزائريين عشية الانتخابات التشريعية.. ليس في الرسالة ما يستدعي الانتباه، فالرئيس دعا الناخبين، كما هو متوقع، إلى التوجه “بكثافة” إلى صناديق الاقتراع، وذكر، كما هو معتاد، بـ”نعمة الأمن” التي ترفل فيها البلاد، و”نعمة الأمن” هذه هي بيت القصيد في معلقة التخويف التي لم تعد السلطة تستحي برفعها منذ باتت تلوح بالإرهاب تارة، وبالناتو تارة أخرى، في وجه كل مواطن لم تعد في قلبه ذرة إيمان بها.لعلّ ما يشد الانتباه هو توقيت الرسالة لا غير. لا أعني تزامنها مع بدء تصويت الجالية الجزائرية في الخارج، بل توجيهها بعد ساعات من إطلاق المدوّن الشاب، شمس الدين العمراني، المعروف باسم “DZjoker”، فيديو بعنوان “ما نسوطيش”، شكل ردا بليغا على حملة “سمّع صوتك”.ركز خطاب الرئيس على فئة الشباب، في محاولة أخيرة لإنقاذ الاستحقاق الانتخابي من شبح العزوف، وهو ما يتضح من اختيار الوزيرة لقراءته خلال ما سمي بـ”مؤتمر المجتمع المدني دعامة للصرح الديمقراطي”.وهذا يضاعف الشكوك في كونها، أي الرسالة، إنما جاءت ردا على فيديو “ديزاد جوكر”!لعله استنتاج سخيف، أو لعلني أبالغ، إذ لا يعقل أن تتحرك الدولة، ممثلة في رئيس الجمهورية نفسه، للرد على فيديو لشاب هاو لم تتجاوز مدته أربع دقائق، لكن الحقيقة هي أن تلك الدقائق الأربع نسفت ما قامت به السلطة في أربعة أشهر، وزلزلت الرأي العام وأحدثت فيه تأثيرا لم تحدثه كل الحملات والخطابات الرسمية مجتمعة. خلال 24 ساعة فقط، حقق الفيديو ملايين المشاهدات والمشاركات، وتناقله الشباب الجزائري في جهات البلاد الأربع، وفي مشارق الأرض ومغاربها.لماذا ينجح عمل لعله لم يكلف سنتيما واحدا، ويخفق آخر بذرت فيه الملايين؟ كيف يهزم شاب بسيط ترسانة كاملة تملك المال والإدارة والإعلام؟ الإجابة هي أننا أمام معادلة بسيطة طرفها الأول شباب واع ومبدع وصادق، والثاني سلطة مترهلة ورديئة وكاذبة.. “ما نسوطيش” يدينكم ويكشف حجمكم الحقيقي، يفضح مدى قوتكم وتأثيركم، عجزكم حتى عن ابتكار حملة لائقة بلا صور مسروقة، إفلاسكم إلا من خطاب التخويف والتخوين.نكذّب أرقامكم ونصدق “دي زاد جوكر” حين يشخّص، بكلمات تدمي القلب، واقع التعليم والجامعة والصحة والعدالة والإدارة والرياضة والسكن والعمران والنقل والسياحة والاقتصاد ووو، لأننا، على العكس منكم، نعيش في أحياء الجزائر ونمشي في أسواقها وندرس في مدارسها وجامعاتها ونعالج في مستشفياتها ونتنقل في طرقاتها ونهرم في إداراتها.نكذّبكم لأن الرئيس يدعو الناخبين، في رسالته، إلى الاختيار في “كنف الحرية والديمقراطية”، وأمين عام الحزب الذي يرأسه “شرفيا” يعد بأن “جبهة التحرير الوطني” ستستمر في حكم الجزائر للمئة سنة المقبلة على الأقل.نكذّب وعودكم بالتغيير ونصدق “شمسو” لأننا نرى قوائم تباع وتشترى ومقاعد يتكالب عليها الأميون والجهلة والفاسدون والمتسلقون، وبرلمانا صوريا، ونوابا غائبين أو نائمين أو يرافعون من أجل الراتب والمنح وجواز السفر الدبلوماسي والحصانة... لأننا رأينا نائبا يُمنع من الكلام بسبب مداخلاته تحت قبة البرلمان، ولأننا لم نر سوى نائب يتيم قال: “أستقيل حتى لا أفقد احترامي لنفسي واحترام الجزائريين الذين انتخبوني لتمثيلهم”.محمد علاوة حاجي

* قارنوا بين رداءة فن الحكومة المتمثل في شريط “سمّع صوتك” الذي صرفت عليه السلطة من المال العام الملايير، وبين كفاءة شاب فنان يفهم معنى الحرية والوطن والوطنية.. فاختزل، بلا شيء، حصيلات حكم في 4 دقائق.. فعلا لقد أبكى “شمسو” كل الجزائريين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات