+ -

يتعجب الناس من بعض المواقف الانتهازية المضحكة للإسلاميين في مختلف التشكيلات السياسية... وهي المواقف التي تتعارض في كثير من الأحيان مع أبسط المبادئ الأخلاقية الأساسية للنضال السياسي وليس للمناضل الإسلامي فقط.شخصيا أعذر بعض هؤلاء الانتهازيين في الحركات الإسلامية لسبب بسيط هو أنهم عاشوا محرومين ومطاردين من السلطة حتى في أبسط حقوقهم، وعندما فتحت لهم السلطة نافذة على الحياة، من خلال المشاركة الشكلية في الحكم، غادروا قيمهم وأخلاقهم الدينية والمدنية والسياسية إلى الأبد، والتحقوا بأخلاق السلطة في التسلط النضالي داخل أحزابهم وبالانتهازية واغتنام الفرص!تخيّلوا معي زعيم حزب سياسي إسلامي عاش حياته مطاردا من طرف الشرطة والبوليس السياسي، يجد نفسه على رأس حزب مشارك في السلطة وفي الحكومة والبرلمان... وتسير أمامه سيارة شرطة لتفتح له الطريق مثل الوزراء والأمراء! ويسكن في المساكن الآمنة مع الوزراء... ويصبح له الحق الإلهي في الاعتداء على قوانين المرور! وله الحق في حضور “الزرد” السياسية للسلطة في كل المناسبات! وحالهم يقول: وأما بنعمة السلطة فحدّث؟!هل مثل هذه الامتيازات مضافا إليها الامتيازات المتصلة بسهولة الاتصال برجال السلطة مهما علا منصبهم، يمكن أن يفرّط فيها الوزير أو المدير الإسلامي وغير الإسلامي بسهولة؟!يجب أن لا نلوم أبوجرة أو مناصرة أو غول أو غيرهم من الإسلاميين الوزراء والنواب، إذا ما استماتوا من أجل البقاء في محيط السلطة حتى ولو أجلسوا على “طابوريات” وليس كراسي سلطة!حالة السياسيين عندنا من الإسلاميين في علاقتهم الانتهازية بالسلطة، تشبه إلى حد بعيد حالة رجال الفكر والثقافة في علاقتهم بالسلطة، خاصة أولئك الذين استطاعت السلطة أن تذيقهم بعض عسلها.أتذكر مرة أنني وجدت مثقفا ذاق عسل السلطة وتم الاستغناء عنه، وجدته منهارا معنويا... فهوّنت عليه الأمر.. فقلت له: “أنت أكبر من المسؤولية التي سحبوها منك”، فقال في مرارة وهو يكاد يجهش بالبكاء: “أنا لا أتأسف على المسؤولية التي نزعت مني، بل أخاف أن يطردوني من السكن في قصر الأمم.. فأبنائي وزوجتي لا يستطيعون تحمّل خروجنا من هناك!”.وقد لاحظنا ذات مرة أن بعض الوزراء الذين تم إخراجهم من سكنات قصر الأمم التابعة للدولة، قامت عائلاتهم بتخريب تلك السكنات نكاية في الدولة التي أخرجتهم منها!ومن يخرّب السكن الوظيفي للدولة عندما يخرج منه لا نلومه إذا ما خرّب الحزب السياسي الذي يسعى إلى إخراجه من الحكومة ودوائر السلطة... لهذا، فإن خوف مناضلي الأحزاب الإسلامية من شبه الابتعاد عن السلطة وعسلها له علاقة بمستوى الحرمان الذي كانوا فيه قبل النعمة السلطوية.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات