+ -

انقضت العشر الأوائل من شهر رمضان كلمح البصر، إلاّ أنّ الكثيرين منّا يتساءلون: هل قمنا باغتنامها؟ فإن كانت الإجابة بلا.. فمازالت الفرصة أمامنا فيما بقي من العشر الثانية والثالثة، دون أن ننسى أنّ في العشر الأواخر ليلة جعلها الله سبحانه وتعالى بألف شهر وهى ”ليلة القدر”.

إنّ شهر رمضان الفضيل فرصة عظيمة لترك المنكرات والابتعاد عن المحرّمات، كما أنّه فرصة لإعادة تقويم للسلوكيات الخاطئة الّتي ترتكب ليلاً ونهارًا، وهو أيضًا فرصة للتزوّد بالخيرات والتقرّب إلى ربّ العباد سبحانه وتعالى،ففي الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رَقَى المنبر، فلمّا رَقَى الدّرجة الأولى، قال: ”آمين”، ثمّ رَقَى الثانية، فقال: ”آمين”، ثمّ رَقَى الثالثة، فقال: ”آمين”، فقالوا: يا رسول الله، سَمِعْنَاكَ تقول: آمين ثلاث مرّات، قال: ”لمّا رَقِيتُ الدّرجة الأولى جاءني جبريل صلّى الله عليه وسلّم، فقال: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ رَمَضَانَ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فقُلت: آمين، ثمّ قال: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلاهُ الْجَنَّةَ، فقُلت: آمين، ثمّ قال: شَقِيَ عَبْدٌ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فقُلت: آمين”.أخي الصّائم، اعزم بكلّ ما أوتيتَ من قوّة في الأيّام الباقيات على الصّمود والمواصلة لإتمام رمضان بعبودية تبلّغك أهدافك، لأنّ رمضان فرصتك الوحيدة لتؤدّب قلبك وجميع جوارحك مفتقرًا لله تعالى مصلحًا لها فترمِّم ما فسد منها وتجاهد نفسك بأن لا تُتلِف ما أصلحت بعد رمضانفينبغي عليك تجديد التّوبة إلى الله تعالى، فقد ثبت في الصّحيحين عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ”لله أشدّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلّها، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثمّ قال من شدّة الفرح اللّهمّ أنت عبدي وأنّ ربُّك” أخطأ من شدّة الفرح. فكيف فرحة الله بتوبة عبده؟ تخيَّل ذلك في نفسك.وينبغي عليك مع تلاوة القرآن التدبُّر، فلا تفرح بكثرة التلاوة دون تدبّر، يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعبد الله بن عمرو بن العاص وهو يوضّح له سبب نهيه عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث أيّام ”لا يفقه من يقرؤه في أقل من ثلاث” أخرجه أحمد وابن حبّان.كما ينبغي على الصّائم ألاّ يفرّط في اغتنام أيّام وليالي رمضان في التقرّب إلى الله عزّ وجلّ والاستزادة من موسم الخيرات والطّاعات، وأن يكون من السّابقين إليها ومن المتنافسين فيها، قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}، ويشكروا الله تعالى أن بلّغَهُم هذه الأيّام من الشّهر الفضيل، لأنّ أناسًا أدركوا رمضان الفارط ولم يدركوا هذا الشّهر في هذا العام، بل إنّ أناسًا أدركوا بعض أيّام هذا الشّهر الكريم وباغتهم الموت ليقطع عنهم إكمال بقية الشّهر، وقد لا يدري أحدنا هل يكمل أيّام وليالي الشّهر الكريم أم لا. وليتذكر مَن فاتته العشر الأوائل من رمضان دون تحصيل أو تحصيل قليل، أنّه ما زال رمضان بأيّامه أمامنا وستأتي بإذن الله تعالى العشر الثانية وبعدها العشر الأواخر الّتي بها ليلة القدر، يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدّم من ذنبه” رواه البخاري. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجتهد بالطّاعات والقُربات في هذه العشر ما لا يجتهده في غيرها من الأيّام، فعن أمّ المؤمنين عَائشة رضي الله عنها قالت: ”كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَجْتَهِدُ في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”، وكان صلّى الله عليه وسلّم في هذه العشر يُحي ليله ويوقظ أهله لينالوا من رحمات الله وبركاته، فقد روت أمّنا عائشة رضي الله عنها: ”كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات