+ -

لربّنا سبحانه خواص في الأزمنة والأمكنة، ففضَّل مثلاً شهر رمضان على سائر الشّهور، وفضّل ليلة القدر على سائر اللّيالي، وفضّل يوم الجمعة على سائر الأيّام. وجوب صلاة الجمعة معلوم لدى كلّ مسلم، وتاركها من غير عذر ميّت قلبه، ومستحقّ للعقاب، فعند الترمذي من حديث أبي الجعد الضَّمْري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن ترك الجمعة ثلاث مرّات تهاوُنًا بها، طبع الله على قلبه”.وللجمعة آداب على المسلم أن يتحلّى بها، منها تعظيم يومها، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”خيرُ يوم طلعت عليه الشّمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنّة، وفيه أخرج منها”، وعند الشّيخين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ”نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة، بيد أنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا يومهم الّذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له، فهم لنا فيه تبع، فاليهود غدًا والنّصارى بعد غدٍ”، ومع هذا الفضل الوارد في يوم الجمعة، فإنّ طائفة كبيرة من المسلمين أماتت وأقبرت هذا اليوم بغفلتها وجهلها، ترى بعضهم يذهب خلال أيّام الأسبوع إلى عمله بأبهى ما لديه من لباس ليقابل زملاءه، فإذا بك تراه يوم الجمعة جاء ليقابل ربّه بلباس النّوم أو الرياضة! وكأنّ هذا اليوم لا يستحقّ تعظيمًا ولا تفخيمًا، بل الأدهى والأمر أنّك تسمَع بعضهم يصرّح بكلّ وقاحة بأنّ يوم الجمعة هو أثقل يوم عليه من أيّام الأسبوع.ومن آداب يوم الجمعة الاغتسال والتزيُّن والتّطيُّب، فكلّ مَن أراد حضور صلاة الجمعة يستحبّ له أن يكون على أحسن حال من النّظافة والزِّينة، فيغتسل ويلبس أحسن ما لديه ويتطيّب: ”الغسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلم، وأن يستنّ (يستعمل بالسّواك)، وأن يمسّ طيّبًا إن وجد”، وعنه عليه الصّلاة والسّلام قال: ”ما على أحدكم لو اتّخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته”، فمن حرص على هذه الخصال نال مغفرة الكبير المتعال، ففي الصّحيح عن سلمان رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهّر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمسّ من طيب بيته، ثمّ يخرج فلا يفرّق بين اثنين، ثمّ يصلّي ما كتب له، ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام إلاّ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى”.ومن الآداب التّبكير، نقل عن بعض السّلف قوله: إنّ أوّل سُنّة تُرِكَت في الإسلام هي سُنّة التّبكير إلى الجمعة. وممّا يدلّ على فضل التّبكير إليها ما رواه الشّيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”مَن اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح في السّاعة الأولى فكأنّما قرب بدنة، ومَن راح في السّاعة الثانية فكأنّما قرب بقرة، ومَن راح في السّاعة الثالثة فكأنّما قرب كبشًا أقرن، ومَن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرب دجاجة، ومَن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكر”، ”إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المسجد فكتبوا مَن جاء إلى الجمعة، فإذا خرج الإمام طوَت الملائكة الصّحف ودخلت تسمَع الذِّكر”.ومن آداب الجمعة كذلك عدم تخطّي الرِّقاب، يقول عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه: جاء رجل يتخطّى رقاب النّاس فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”اجْلِسْ فقد آذَيْتَ”، وكذا الكلام أثناء الخطبة، أو الانشغال بأيّ شيء عنها، فحتّى ردّ السّلام لا يُشْرَع وقت الخطبة: ”إذا قُلتَ لصاحبك يوم الجمعة: أنْصِتْ والإمام يَخطُب، فقد لَغَوْتَ”.ومن فضائل الجمعة قراءة سورة الكهف: ”إنّ مَن قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء له من النّور ما بين الجمعتين”.الإكثار من الصّلاة والسّلام على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ من أفضل أيّامكم يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه قُبِض، وفيه النّفخة، وفيه الصّعقة، فأكثروا عليّ مِن الصّلاة فيه، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ”، قالوا: يا رسول الله وكيف تُعرَض صلاتنا عليك وقد أَرِمْتَ؟ (أرمت العظام، صارت رميمًا)، فقال: ”إنّ الله عزّ وجلّ حرّم على الأرض أجساد الأنبياء”.ومن أهم ما يحرص عليه المسلم يوم الجمعة الإكثار من الدّعاء، وذلك لأنّ بها ساعة من ساعات الإجابة، ففي الصّحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكر يوم الجمعة فقال: ”فيه ساعة لا يُوافِقُها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يُصلّي، يَسأل الله تعالى شيئًا إلاّ أعطاه إيّاه”، وهذه السّاعة هي آخر ساعة بعد العصر، أي: قبل الغروب، كما دلّت على ذلك الآثار.إنّ هذه الآداب والفضائل ينبغي لكلّ مُسلم حريص على الخير أن يَجعلها نُصْبَ عينيه، فإنّ ذلك من تعظيم شعائر الله: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، وقد جعل الله تعالى من وراء تعظيم هذا اليوم الأجر الكثير، والخير الوفير، فهو من أعظم أسباب مغفرة الذّنوب: ”الصّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفّارات لِمَا بينهنّ”، بل أكثر من ذلك فإنّ ربّنا سبحانه جعل يوم الجمعة روضة من رياض الثّواب والأجر: ”مَن اغتسل يوم الجمعة وغسَّل، وبكَّر وابتكر، ودَنَا واسْتَمَع وأنْصَتَ، كان له بكلّ خطوة يخطوها أجْرَ سنة، صيامها وقيامها”، ومن هنا جعل ربّنا الموت في هذا اليوم أمانًا من عذاب القبر: ”ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلاّ وقاه الله فتنة القبر”.

 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات