+ -

لعل نظرية الحكم بالتعفن التي تطبقها السلطة في حكم البلاد قد انتهت إلى منتهاها... فالاحتجاجات الاجتماعية “المعزولة” التي تمارسها النقابات والجمعيات المدنية، قد انتهت إلى حقيقة وهي أن الاحتجاج المعزول لا يمكن أن يؤدي إلى شيء.. لهذا تتجه النقابات والجمعيات والحركات الاحتجاجية إلى التنسيق بينها في عمل وطني عام يشمل كل الحركات الاحتجاجية في وقت واحد، وفي نفس الوقت يتوزع على مستوى طول وعرض التراب الوطني... وهذا معناه أن نظرية معالجة الاحتجاجات الاجتماعية من طرف السلطة بتركها تتعفن، لم تعد يجدي، والأمر قد يتجه إلى ما لا تحمد عقباه. فالاحتجاجات بدأت تتجه إلى التجذر والاتساع، وتنتقل من المطالب الاجتماعية المهنية إلى المطالب السياسية. كما أن أجهزة الأمن التي وظفت من طرف السلطة بطريقة تعسفية في قمع الاحتجاجات خارج الدستور والقانون، بدأت هي الأخرى تتململ وتتساءل عن مهمتها الأساسية وهي حماية البلد من أعمال الشغب، وليس حماية سوء تسيير البلاد من الاحتجاجات المؤسسة قانونا ودستوريا.وبتعبير آخر، بدأت قوة مكافحة الشغب تقول: نحن قوة مكافحة الشغب وليس قوة حماية سوء التسيير! الشرطة والأمن مهمتهما حماية القانون من التعدي عليه، وليس حماية التصرفات غير القانونية التي ترتكبها السلطة ويحتج عليها المجتمع!ويبدو أن احتجاجات الأطباء والطريقة التي أداروا بها هذا الاحتجاج واحتضان المجتمع لهم ولقضيتهم، قد أدى إلى إنضاج هذه المسألة لدى أجهزة الأمن. وقد تتضح الفكرة أيضا لدى العدالة التي أصبحت أداة أخرى تستخدمها السلطة في حماية سوء التسيير... والمفروض أن العدالة والشرطة تنحازان إلى الحق والقانون ضد أي جهة تمس بالقانون!فهل من الصدفة أن العدالة تحكم دائما بعدم شرعية الاحتجاجات، وأن الشرطة دائما تستخدم الهراوات ضد المحتجين... حتى ولو قامت السلطة فيما بعد بالاعتراف بشرعية الاحتجاجات واستجابت لمطالب المحتجين! ففي هذه الحالة كيف يكون وضع العدالة التي تحكم باللاشرعية ثم ترى السلطة تستجيب للمطالب وتعتبرها شرعية!أليس في هذا التصرف مساس بالعدالة وبجهاز الأمن وجعلهما يتصرفان خارج القانون! ولماذا لا تحاسب العدالة والشرطة هؤلاء الذين يضللانهما من المسؤولين!الغريب في الأمر أن الوزراء الذين يفتحون الحوار مع المحتجين في مختلف القطاعات، يقولون إن مطالب المحتجين مشروعة.. لكن حلها يتجاوز الوزارة والوزير؟!حتى الشرطة تضرب الناس بالهراوات وتقول إن ذلك حماية للقانون، والقانون يمنع ضرب الناس بالهراوات في الشارع إذا تظاهروا سلميا... هكذا يقول الدستور، وهو أعلى أنواع القانون، وليس تعليمات الولاة والوزراء وأحكام القضاة الموجهة حسب الطلب.. التعفن وصل مداه والأمر أصبح يتعلق بمصير البلد وليس بالسلطة وحدها!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات