إلهام مختار أبو عيش: جميلة بوحيرد أيقونة جزائرية في مصر

+ -

خصتنا السيدة إلهام مختار أبو عيش، حرم السفير المصري في الجزائر ورئيسة رابطة زوجات السفراء في الجزائر، بحفاوة الترحاب في مقر إقامتها بالعاصمة، حيث دار الحديث عن الزيارة التي رافقت فيها السيدة المجاهدة جميلة بوحيرد إلى كل من القاهرة وأسوان في مصر، فتوقفت عند جملة من المحطات التي ظلت عالقة في ذهن جميلة. وقالت إلهام مختار أبو عيش إن اللقاء الذي جمعها بأيقونة الجزائر كان مميزا جدا وحمل لحظات مؤثرة، اكتشفت فيها جميلة الإنسانة والمجاهدة في نفس الوقت، وكانت ترى فيها قوة المرأة التي ساهمت في مكافحة الاستعمار وإنسانيتها وبساطتها وتواضعها في نفس الوقت، مشيرة في حوار مع ”الخبر” إلى أن لقاء السيدة جميلة بالدكتورة هدى عبد الناصر غطته الدموع التي سالت مدرارا.. لم تكن دموع حزن بل دموع فرح أثرت في الحضور مثلما أثرت في السيدة جميلة والدكتورة هدى، إلى جانب تأثر المجاهدة الجزائرية بكلمات المستشار أحمد الزند التي نظمها خصيصا لها وبطريقة ارتجالية. وبقدر جمال الذكريات التي جمعت السيدة إلهام بأيقونة الجزائر وما حملته من لحظات تظل راسخة وعالقة في ذهن شباب مصر الذين اقتربوا من السيدة جميلة، اكتشفنا الجانب الإنساني الذي تركز عليه السيدة إلهام من خلال رابطة زوجات الدبلوماسيين في الجزائر لمساعدة الجمعيات الخيرية، على غرار الجمعيات التي تعنى بمرضى السرطان، مرضى العيون وكذا أطفال التوحد.

كيف أتت فكرة تكريم المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد في مصر؟ بدأت الفكرة مع دعوة مهرجان أسوان لسينما المرأة في دورته الثانية للسيدة جميلة وتسمية الدورة باسمها. وقد حرصت السفارة المصرية في الجزائر، وبالتنسيق مع المجلس القومي للمرأة في مصر، على تكريم الجزائر الشقيقة في شخص جميلة بوحيرد باعتبارها رمزا يحتذى به للمرأة العربية.وكنت سعيدة باستقبالها أنا وسعادة السفير هنا بالجزائر قبل سفرها إلى القاهرة، وإخبارها بأننا مهتمون بتكريمها أولا في القاهرة قبل سفرها إلى أسوان. وقد تم بالفعل ترتيب الرحلة على هذا الأساس. فنحن الآن في مرحلة نحتاج فيها لأن يرى شبابنا إناثا وذكورا الرموز التي أثرت تاريخ بلادها بمواجهتهم لتحديات عصرهم، وحتى يكون هؤلاء مثلا يحتذى به فيما يواجهه شباب اليوم في المنطقة العربية ويحتاج منهم أن يعوا حجم هذه التحديات والدور الكبير الذي قامت به الأجيال السابقة في خدمة بلادها.الظرف الذي تمر به المنطقة العربية كان وراء الاختيار.. ليس بالضرورة، وإنما الأمر يتعلق بدور المرأة ونضالها في مواجهة التحديات والمجهود المشرف الذي تبذله لصالح بلادها، وهو أمر هام في تاريخنا المعاصر.. فعلى الرغم من أننىي لمست منها رفضا لمبدأ التكريم باعتبار أن ما قامت به يعد واجبا وطنيا، لكننا في مصر كنا نريد أن نراها ويتعرف المصريون عليها بشكل أكبر، خاصة أننا درسنا ثورة الجزائر في كتب التاريخ المدرسية، وتعرفنا على جميلة من خلال ما قرأناه عنها وما شهدناه في السينما، والفيلم الذي أخرجه الفنان الكبير يوسف شاهين، لذا كانت الزيارة فرصة ليتعرف عليها الشباب الذي لم يسبق له رؤيتها.طبعا ليست هذه المرة الأولى التي تأتي فيها جميلة بوحيرد إلى مصر، فقد سبق أن التقت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سنة 1962، وهو اللقاء الذي تجدد في صورة أخرى مع ابنته الدكتورة هدى جمال عبد الناصر أثناء الاحتفالية التي أقامتها الدكتورة مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة، والذي شاركت فيه أيضا وزيرة الثقافة ولفيف كبير من سيدات النضال في مصر.ومن بين الأشياء التي كان لها أثر كبير وأفرحت جميلة، عرض فيلم يوثق للقاء الذي جمعها بأسرة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكان الأمر حقا مؤثرا وأبكانا، إذ رأت بوحيرد نفسها أثناء شبابها وتذكرت تلك الأوقات، وكنت لأول مرة أرى ذلك الفيلم الذي يوثق لذلك اللقاء، كوني لم أكن قد ولدت بعد، بالنسبة لي كان ذلك بمثابة المفاجأة الجميلة،كما كان الجميع سعيدا بحضورها، فقد تسنى لهم رؤية هذا الرمز الرائع واقفا أمامهم لثاني مرة في مصر.. حقا كانت حالة لا أعرف كيف أصفها لك سوى القول إننا كلنا كنا سعداء بهذا التكريم.على ذكر هدى عبد الناصر، كان هناك لقاء بينها وبين جميلة بوحيرد، هل يمكن معرفة حيثياته؟لقد كان اللقاء حميما، وقد احضنتا بعضهما بعضا بشوق كبير، وكأن كل منهما يرى في الآخر ذكريات عزيزة عليه. فقد كانت الدكتورة هدى في أول لقاء لها مع جميلة طفلة، وكانت تشير إلى نفسها لدى عرض الفيلم، فقد كانت طفلة صغيرة، واليوم تراها أمامها بعد كل هذه السنين، ربنا يعطيها الصحة وطول العمر.ولكن الأمر لم يقتصر على اللقاء الذي جمعها مع الدكتورة هدى، فتكريم رمز مثل جميلة بوحيرد هو بمثابة تكريم للجزائر حكومة وشعبا، لتأكيد ما يكنه الشعب المصري للجزائر وشعبها الشقيق من حب وتقدير كبيرين، وبصراحة كانت ملحمة رائعة من الحب والود تلك التي جمعت المصريين حول جميلة، فقد كان حبا جارفا فاق التوقعات.لدي فضول لمعرفة إن دار حديث خاص بينهما حول أمور خاصة تتعلق مثلا بالرئيس عبد الناصر أو غير ذلك.. طبعا كان هناك حديث خاص بينهما عكس شعورا دافئا من المحبة والذكريات الخاصة، لذا كنت حريصة على ترك هذه المساحة الخاصة لهما، وإن كان واضحا أنه تركز بشكل كبير علىالزيارة الأولى سنة 1962، لكن ما شهدته بنفسي تمثل في طلب جميلة زيارة ضريح الزعيم جمال عبد الناصر، وفعلا تم اتخاذ الترتيبات اللازمة لذلك، وفي نفس الوقت استقبلتها أسرة الرئيس عبد الناصر في بيته الذي تم تحويله إلى متحف خاص يضم كل مقتنياته وما يخصه، وبمجرد وصول جميلة إلى بيته شعرت بالحنين وسالت دموعها، وكأنها تسترجع كافة ذكرياتها الجميلة التي مرت بها في هذا المكان.عدا زيارة المتحف وضريح الرئيس عبد الناصر، هل قصدتم أماكن أخرى أو دارت بينكما أحاديث عن أشياء ربما لا يعرفها محبو جميلة عنها؟ كانت هناك أشياء كثيرة، لكن جميلة ترفض التكريم والإعلام، فكان عقد بيني وبينها أن لا تدلي بأية تصريحات صحفية رغم سيل الطلبات التي انهالت عليها من مختلف وسائل الإعلام، ولم يتوقف هاتفي عن الرينن، لكنها كانت ترفض الحوارات والاستديوهات، وكانت بالمقابل تتواصل وتتكلم مع الناس الذين تقابلهم بحميمية، وترد على أسئلتهم بكل أريحية، دون صحافة وكاميرات.تكلمنا كثيرا وتجاذبنا أطراف الحديث، ولدي ذكريات كثيرة معها، لكنني أحترم رغبتها في عدم الإدلاء بأية تفاصيل بشأنها.صحيح، لكن قد أطلب منك إخباري بالذكرى الخاصة التي ظلت عالقة في ذهنك؟ ما بقي عالقا في ذهني وأثر في نفسي حقا رفضها التكريم وتمسكها بفكرة الشهيد، هي تقول إننا قمنا بتأدية الواجب، والتكريم من حق الشهداء الذين ضحوا بحياتهم وأرواحهم من أجل تراب هذه الأرض الطيبة، فهي لديها هذه الثقافة التي أحترمها، ولكن أنا أرى مع ذلك أنها هي أيضا وكثيرون غيرها لعبوا أيضا دورا، وإلا ما كنا موجودين الآن، وأقول لها ولهن إن من حق الناسأن تعرف وتتعلم، فهي محطة من تاريخنا، وعلينا أن نتعلم ونعرف وأن يتعلم شبابنا أيضا، لأنه إن لم يكن لدينا هذا النموذج فكيف لنا أن نتعلم؟ ومن بين الأشياء التي قدرتها واحترمتها في السيدة جميلة، تواضع شخصيتها رغم كل الحب الذي تحظى به، فهي متواضعة وبسيطة جدا مع الناس، تتكلم مع الصغير والكبير والوزير والعامل البسيط على حد سواء، ورغم قيامنا برحلة لم تكن سهلة، لكوننا قمنا بالعديد من الزيارات معها، فقد كانت تجامل السائق والطباخ والشباب ولم تكن ترفض التقاط الصور معهم أبدا.كانت شخصية رقيقة متواضعة قوية، كنت سعيدة بمرافقتها، ونسعد كثيرا لأن يكون للمرأة الجزائرية والعربية هذه الشجاعة والبطولة التي تحظى بها جميلة.نستطيع القول إنها مثال تحتذي به المرأة العربية وليس الجزائرية فحسب.. أكيد، هى نموذج مشرف للمرأة العربية، خاصة أننا في مصر لازلنا نحتفل بعام المرأة المصرية، إذ أعلن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى اعتبار الفترة من سنة 2017 إلى 15 مارس الجاري عاما للمرأة المصرية، فبوحيرد نموذج للمرأة الجزائرية والمصرية والعربية وفي كل الدول، خاصة أنها تكن حبا جارفا لكل الوطن العربي، فكل الوطن العربي وطنها، وهي تؤكد أن حبها للجزائر مثل حبها لفلسطين ولمصر ولأي مكان عربي، فكل الوطن العربي وطنها.القضية الفلسطينية قابعة في وجدان جميلة حتى وهي في أرض الكنانة.. هي في خاطرها وفي خاطر الوطن العربي كله، كلنا نتألم من أجل القضية الفلسطينية، ونتمنى من الله أن يقدرنا كشعب عربي لأن نجد حلا لهذه القضية، وللشعب الفلسطيني الذي عانى من ويلات الاحتلال كثيرا.ذكرت أنكم زرتم عدة مناطق، ما المكان أو الاشياء التي شدت بوحيرد؟ بدأنا الاحتفال في ثاني يوم وصولنا مع الدكتورة مايا مرسي بتكريم للسيدة جميلة من قبل رئيس المجلس القومي للمرأة وبحضور وزيرة الثقافة، وهنا تم تكريم مجموعة من المناضلات المصريات اللواتي كن ضمن الحضور، وفي المساء كانت هناك دعوة خاصة مع رئيس المنظمة العربية للمرأة السفيرة الدكتورة ميرفت تلاوي، بحضور المستشار أحمد الزند وزير العدل سابقا، وبحضور وزيرة السياحة الدكتورة رانيا المشاط، ورئيسة المجلس القومي للمرأة ولفيف كبير من منظمة المرأة العربية، ومجموعة من الصحفيين والإعلاميين المهتمين. وقد ألقى المستشار أحمد الزند كلمة مرتجلة عكست مشاعر المصريين وحفاوتهم بهذه الزيارة، وتركت في نفس جميلة أثرا بالغا جدا، وأسرت لي بأنها أمسية لن تنساها طوال حياتها.وقد اختتم برنامج زيارتها للقاهرة بلقاء مع وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي أكد فيه على عمق العلاقة بين البلدين والشعبين الشقيقين، وما قدمته مصر من دعم لجبهة التحرير الجزائرية وكافة حركات التحرر الوطني في المنطقة العربية والدول الإفريقية.وقد حرصت جميلة عقب انتهاء اللقاء على التوقف لبضع دقائق في ميدان التحرير الذي شهد الثورة المصرية، وأخذت بعض الصور، وكانت سعيدة لرؤية الناس قد التفت حولها لالتقاط بعض الصور التذكارية معها بشكل عفوي جدا.وعقب انتهاء زيارتها للقاهرة بدأت رحلتها مع مهرجان أسوان لسينما المرأة، فاستقبلها أهالي هذه المدينة بجنوب مصر استقبالا حافلا، وقالت لي إن أول شيء تمنت القيام به هو جولة في نهر النيل الذي يتميز بسحر خاص في هذه المنطقة، وقد كانت فرحها واستمتاعها بهذه الجولة واضحا إلى حد التعبير عن رغبتها في تكرار الجولة طوال فترة بقائها في أسوان.هل طلبت أكلة خاصة هناك؟ كانت سعيدة بكل الأطباق المصرية التي قُدمت لها، ووجدتها لذيذة، لكن ربما ما أعجبها أكثر كان ”الطعمية”، فقد أحبتها، لكن أكلها كان بسيطا، وهو أمر طبيعي لكبار السن الذي تكون شهيتهم بسيطة، إلا أن ذلك لم يمنعها من الاستمتاع بهذه الأطباق، كما كانت تقبل على ”الخبز المصري”.هل وجدتم تقاربا بين الشخصية التاريخية التي سمعتم عنها والإنسانة؟ أستطيع القول نعم، فقد كانت تربطني بها علاقة قبل السفر من الجزائر، فمنذ وصولي عام 2014 ونحن نسأل عن جميلة بوحيرد أيقونة الجزائر، وكنت أريد أن أراها وأتعرف عليها، وفعلا كان هناك أكثر من لقاء بيننا، ولكن الحوار لم يكن يأخذ وقتا طويلا، لكن هذه المرة حينما اقتربت منها وبقيت طويلا معها رأيت فيها سيدة قوية جدا، مارست الكفاح ضد المستعمر في ريعان شبابها، لكنها في نفس الوقت هادئة وراقية ومتواضعة وبسيطة على الرغم من المحبة والأهمية التي تحيط بها وبشخصها.. هي جميلة من الداخل والخارج، وصدقا السيدة جميلة وصفت الزيارة التي قادتها إلى مصر هذه المرة برحلة العمر.نعرج على الرابطة التي تترأسينها حاليا، أي رابطة زوجات الدبلوماسيين في الجزائر، ما الدور الذي تلعبه؟ الرابطة موجودة منذ أكثر من 20 سنة تقريبا، تضم كل زوجات السفراء والدبلوماسيين وكذلك السيدات الدبلوماسيات في السفارات المعتمدة على أرض الجزائر، فضلا عن المنظمات كالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ونشاطها ذو بعد اجتماعي وثقافي ويصب باتجاه المرأة والطفل.تقوم بمجموعة من الفعاليات الثقافية مثل ”الغذاء الدولي” الذي يقدم خلاله الأكل التقليدي لكل بلد، ويتم التعرف فيه على تقاليد وعادات كل دولة، وحصيلة هذه العوائد توجه لمساعدة الجمعيات الخيرية في الجزائر أو أطرافها.كما أن هناك احتفالية ”البازار الدولي” الذي يُعقد في أكتوبر من كل عام، وتشارك فيه السفارات إلى جانب الحرفيين الجزائريين الذين يقدمون منتجاتهم الخاصة من السيراميك والأشغال اليدوية والأكلات، والحصيلة توجه أيضا لمساعدة الجمعيات هنا بالجزائر.وأكثر شيء ميز نشاط العام الماضي كان مشاركة 45 سفارة و170 من العارضين الجزائريين في البازار السنوي، فضلا عن افتتاحه رسميا ولأول مرة بحضور وزراء الثقافة والسياحة والبيئة، وقد فاق النجاح كل التوقعات، إلى درجة طلب وزير الثقافة حينها أن يمتد الحدث لأكثر من يوم، لأنه لم يكن بازار بل مهرجان فعلا، حسب الكلمة التي اختارها وزير الثقافة. وقد وجهت الحصيلة لـ8 جمعيات، منها جمعية مرضى السرطان وجمعيتان لأطفال التوحد، وساعدنا أكثر من جمعية لاقتناء ماكينات لتعليم البنات المعاقات حرفة التطريز والخياطة، على نحو يساعدهم على زيادة دخولهم. هذا إلى جانب أجهزة طبية لمرضى العيون، وهذا المشروع لا يخص العاصمة فقط بل أكثر من ولاية، خاصة ولايات الجنوب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات