وماذا بعد الاعتراف الشكلي بالهوية؟

+ -

نعم، نقولها مع بعض زعماء الحركة الأمازيغية في الجزائر ”اعتراف السلطة بالأمازيغية لغة وطنية ورسمية هو إجراء دستوري سياسوي شكلي ولا توجد فيه نية بجعلها فعلا لغة رسمية، أو حتى وطنية”. نعم، مسألة الهوية كانت وما تزال منذ ثلاثينات القرن الماضي في قلب التجاذبات السياسية داخل الحركة الوطنية، وتُستخدم هذه المسألة دائما في المزايدات السياسية بين الأحزاب والشخصيات والحركات.نعم، هل الدستور الذي لم يُحترم في المجال السياسي والتأسيس لمؤسسات الدولة، مثل انتخاب نواب البرلمان وتعيين الحكومة، يمكن أن تحترمه السلطة في مسألة الهوية الوطنية؟ لا أعتقد ذلك، لأن الطابع السياسي في استخدام الهوية عال جدا في عقلية التلاعب بالهوية سياسويا.قبل 50 سنة دُسترت العربية كلغة رسمية، فهل تحقق لها ذلك؟ كل الناس تعرف أن اللغة الرسمية غير المعلنة دستوريا للجمهورية الجزائرية هي اللغة الفرنسية.والآن بعد 50 سنة ما يزال مجلس الوزراء يجري مداولاته باللغة الفرنسية، ومنذ أمس فقط أصدرت وزارة التربية الوطنية في يوم العلم تعليمة إلى مصالحها في الولايات تخص ترقية الأساتذة في التعليم، وهي تعليمة مليئة بالأخطاء النحوية البسيطة في عنوانها لا يرتكبها حتى تلاميذ السنة الثالثة ابتدائي. فهل هذا التصرف يدل على أن العربية لغة رسمية في هذه الوزارة؟ ”إلى السادة مديروا التربية والسادة مفتشي التربية”! هكذا والله! أخطاء رسمية في كتابات غير رسمية.الأكيد الآن وقد خرجت مسألة ترسيم العربية دستوريا من مجال الاستقلال السياسي في الهوية من طرف السلطة، وخرجت أيضا مسألة استغلال الأمازيغية من مجال الاستغلال السياسوي من طرف السلطة بترسيمها شكليا في الدستور، لا نستبعد أن تُطرح من جديد مسألة ترسيم الفرنسية هي الأخرى كلغة رسمية ثالثة، فنحن لسنا أفضل من السنغال ومالي والنيجر وتشاد وحتى غينيا أو كوت ديفوار أو بوركينا فاسو، بل نحن أقرب منهم إلى اعتبار الفرنسية جزءا من الهوية الوطنية، لأن وجودها عندنا أقوى من وجودها في هذه الدول.الآن يمكن أن نسمع بأن الهوية الفرنسية عندنا أصبحت واقعا قائما لا يمكن القفز عليه، مثله مثل الواقع العربي والواقع الأمازيغي، وعليه لا بد من تأسيس هذا الواقع دستوريا، خاصة أن الشعب الجزائري قد أصبح الآن أكثر نضجا وتفهما لهذا الواقع، وأن مسألة ”الهوشة” بين الجزائر وفرنسا في حرب التحرير قد أصبحت من الماضي، و75% من الشعب الجزائري اليوم لا علاقة له مع هذه ”الهوشة”، وقد نحتاج إلى عشرية أخرى أو عشريتين من الاستعمال السياسوي لهذا العنصر الجديد للهوية في بعدها الثالث في الجانب اللغوي، وقد يكون تقبل البعد الثالث للهوية اللغوية للجزائر، وهو اللغة الفرنسية، هو الحسم الفعلي لمسألة الهوية، لأن هذه اللغة هي بالفعل اللغة الرسمية في البلاد، وما عداها مسائل شكلية لا علاقة لها بالواقع.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات