+ -

الرئيس يقول في رسالة لرجال الإعلام “على الصحافة أن تكشف نقائص التسيير الحكومي للشأن العام”! كلام جميل... ويندرج في سياق الرسالة الحقيقية للصحافة بوصفها سلطة رابعة حتى نهاية القرن الماضي، وبوصفها السلطة الأولى أو سلطة السلط، بداية من الألفية الثالثة، حيث ألغت التطورات المذهلة للوسائط الإعلامية مسألة نيابة المنتخبين في البرلمانات فكرة النيابة عن الشعب بالمنتخبين في ممارسة الشعب للسيادة على الجهاز التنفيذي، تعيينا ورقابة وإنهاء مهام وطلب الحساب، وأصبح الشعب نفسه يطلب ويمارس ذلك بنفسه مباشرة وعبر الوسائط الاجتماعية الإعلامية، ولهذا أصبحنا نرى رؤساء الحكومات في الدول العريقة في الديمقراطية يقدمون الحساب للشعب عن نشاطهم يوميا وبصفة مباشرة عبر ما يسمى باللقاءات اليومية بين الحكام ورجال الوسائط الاجتماعية! بل وأصبح الحكام يقدمون الحساب للشعب عن نشاطهم اليومي بصورة مباشرة إلى الشعب الذي فوّضهم لتسيير شؤونه عبر تغريدات في تويتر وفايسبوك. نحن ما زلنا على مستوى الإعلام في مرحلة ما قبل القرن الماضي، حيث نفرح لما الرئيس يعطي الحق للصحافيين بأن ينتقدوا الحكومة! ولسنا ندري ماذا سننتقد في حكومة الجزائر وهي مازالت تستخدم الرزم الورقية في أعمالها ولم تدخل بعد في عالم الوسائط الإعلامية الحديثة. فإذا كانت الحكومة هذا هو حالها، فماذا سننتقد؟رسالة الرئيس للصحافيين كان سيكون لها معنى لو وجهت لغير الصحافيين، لو وجهت مثلا إلى أجهزة الأمن وجهاز العدالة والحكومة ككل، ودعتهم إلى رفع اليد عن نشاط الإعلاميين في الصحف والقنوات والوسائط الاجتماعية.نعم.. الإعلام الحديث هو العصا السحرية في يد الحكومات الراشدة لمساعدتها في محاصرة سوء التسيير، وفي عملية تشديد الرقابة على الاستعمال الرشيد للمال العام وتوجيهه نحو ما ينبغي أن يوجه إليه، وبتعبير آخر، فإن الإعلام المعادي للرداءة هو قوة في يد السلطة الراشدة في التسيير، وليس عدوا لها، كما هو الحال عندنا.وبهذه الصفة، يمكن أن نتصور حجم المقدرات الهائلة المعطلة في الجزائر جراء تعطيل دور الإعلام في مساعدة السلطة على إبراز وتعبئة الذكاء في إدارة الشأن العام، وتهيئة الشعب وحثه وتحفيزه على العمل المنتج ومحاصرة الرداءة وسوء التسيير وهدر المال العام، فالأمم التي نجحت في تحقيق الإقلاع الاقتصادي حاصرت بالإعلام والتنظيم هذه المظاهر، وثمّنت الذكاء وحسّنت التنظيم، فتحقق لها الإقلاع الاقتصادي، بهذا فرسالة الرئيس وجهت لغير أهلها!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات