+ -

المتأمّل في التّاريخ الإسلامي وما نقله أهل السِّيَر والمغازي ليَلتمس جليًا أنّ شهر رمضان المبارك هو شهرُ الانتصارات، انتصارات غَيَّرَتْ مَجْرَى التّاريخ، انتصارات أَرْسَت دعائم الأمن في الأمّة الإسلاميّة، ومن أبرزها غزوة بدر الكبرى.ففي رمضان كانت غزوة بدر بقيادة سيّدنا الأمين صلّى الله عليه وآله وسلّم، في رمضان كان فتحُ مكّةَ في السّنة الثّامنة للهجرة، في رمضانَ كانت معركة القادسيّة بقيادة سعد بن أبي وَقَّاص، في رمضان فُتِحَت بلاد الأندلس على يد طارق بن زياد، في رمضانَ وقعت معركة حطّين الّتي استردّ فيها المسلمون بيت المقدس، في رمضانَ انتصر المسلمون بقيادة سيف الدّين قُطُزَ على التّتار في معركة عينِ جالوت، في رمضانَ فتحت القسطنطينيّةُ على يد محمّد الفاتح.ووَقفتنا اليوم مع غزوة بدر؛ غزوة بدر الّتي غَيَّرَت وجه الدّنيا، وكانت بحقٍّ فُرْقَانًا فرّق الله به بين الحقّ والباطل، وكان لها ما بعدها؛ وهي أوّلُ معارك الإسلام الكبرى، تُوِّجَت بالنّصر المبين..والغزوة ليست للاعتداء والظُّلم، كما تفعله الدول الباغية الظالمة، بل وسيلةٌ لدفع العدوان؛ حيث يشير القرآن الكريم: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج:39-40.وقعت غزوة بدر في السّابع عشر من شهر رمضان في السّنة الثّانية من الهجرة النّبويّة، فكانت موقعة فاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين، بل في تاريخ البشرية كلِّها إلى يوم الدين، إنّها معركة الفرقان: {إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الأنفال:41.ولقد شكّلت غزوة بدر محطةً بارزةً في ردِّ العدوان؛ إذ مكث النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بضِعَ عَشْرةَ سنةً ينذر بالدّعوة من غير قتال، صابرًا على شدّة إيذاء العرب بمكّة المكرّمة، واليهود بالمدينة المنورة، فكان يأتيه أصحابُه ما بين مضروب ومجروح، يشكون إليه حالهم، ويطلبون منه السّماح لردّ العدوان بالمثل، فيقول لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “اصبروا لأنيِّ لم أُؤمرْ بالقتال”، حتّى إنّ بعض أصحابه قُتِل من جرّاء العذاب؛ منهم: سُميَّة أمُّ عمار بن ياسر، وزوجُها ياسر، عذَّبهما المُغيرة على إسلامهما؛ ليرجعَا عنه، وماتا تحت العذاب.لقد أَمِنَ المسلمون بعد هذه الغزوة وخافهم كلّ أحد ممّن حولهم؛ كقبائل الأعراب المشركة الّتي كانت تُحيط بِالمدينة المنوّرة، إذ كان هدف هذه القبائلِ هو الهجوم على المسلمين بغرضِ السّلب والنّهب، فوقع في قلوبهم الرّعب، ووقع الرُّعب في قلوب اليهود الحاقدين المُتَرَبِّصين الّذين هم داخل المدينة، ووقع الرُّعب في قلوب المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أُبَيِّ بن سلول، وقع الرُّعب في قلوبهم وخاب ظنُّهم وضَعُفَت شَوْكَتُهم حينما رَأوا انتصار المسلمين وعِزَّتَهم؛ بل أَظْهَرَ بعض المنافقين إسلامَهُم خوفاً من رسول الله وصحابته.. قال الله سبحانه وتعالى في وصف هذا النّصرِ: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} آل عمران:126.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات