مبادرة الأفافاس لتقريب السلطة من المعارضة أو لجرها إلى بيت الطاعة

+ -

هل يعتبر الأفافاس وسيطا محايدا أو مكلفا بمهمة وساطة بين السلطة والمعارضة من خلال مبادرته للإجماع الوطني؟ وهل مطلوب من حزب ”الداالحسين” تقريب السلطة من المعارضة أو العكس، جر المعارضة إلى حضن السلطة وإدخالها بيت الطاعة؟ أسئلة كثيرة وإن لم تطرح بحدة لدى أحزاب الموالاة التي رحبت بوفد الأفافاس وكسرت به جدار العزلة، فإنها أثارت جملة من التحفظات والشكوك وحتى القلق لدى قوى المعارضة، خصوصا على مستوى تنسيقية الانتقال الديمقراطي وقطب قوى التغيير وهيئة التشاور والمتابعة وكأنها اشتمت من ورائه ”ملعوبا” جديدا ومناورة من السلطة للالتفاف على خصومها. ويبدو أن تطمينات أقدم حزب معارض في الجزائر بـ”الحياد” وعدم تحزب مبادرة الإجماع الوطني، لم تقنع ولم تبدد الشكوك لدى قوى المعارضة ودفعتها لطرح أكثر من سؤال في سؤال.تعهد بالشفافية في تحضير مبادرة الإجماع الوطني والتزم بالحياد وعدم التحزبالأفافاس في دور ”الوسيط” لإنقاذ الجمهورية تعهدت قيادة الأفافاس في اللائحة السياسية الأخيرة للمجلس الوطني للحزب، بأن مبادرتها للإجماع الوطني التي شرعت في مشاورات بشأنها مع الأحزاب والشخصيات، تعتبر ”مسعى حياديا غير تحزبي”، وقالت إن الهدف الوحيد منه هو ”مصلحة الوطن”. والتزمت بـ«الشفافية” في مسار تحضير الندوة وأيضا بـ«التشاور مع كل الأطراف معارضة، سلطة ومجتمعا مدنيا”. فهل هذه الضمانات المقدمة من قبل حزب ”الداالحسين” كافية لتحقيق الإجماع في الساحة الوطنية؟رغم أن بداية مشاوراته حول الإجماع الوطني اصطدمت في البداية ببعض العراقيل البروتوكولية على غرار أسبقية الأفالان أو الأرندي في افتتاح لقاءاته، وهو ترتيب يرى سعداني أنه الأول على غريمه بن صالح، غير أن قيادة الأفافاس أرادت أن تضع نفسها على نفس المسافة بين السلطة والمعارضة وفعاليات المجتمع المدني، لإعطاء الزخم المطلوب لما تسميه ”إعادة بناء الإجماع الوطني”. وطالما أن الحزب تعهد بأن تكون مبادرته ”حيادية وغير متحزبة”، فإنه لا يريد ”تزعم” قاطرة الحوار بمفرده وإنما يعرض نفسه على أنه دور ”وسيط ” بين السلطة وشركائها وخصومها من الطبقة السياسية.  وضمن رؤيته بأن الإجماع الوطني يحتاج لمشاركة السلطة والمعارضة معا، انتقدت اللائحة السياسية الأخيرة للمجلس الوطني للأفافاس ما وصفه بأن ”التصريحات التي تبعث على القلق لبعض الأطراف وتصريحات أطراف أخرى تبعث على الارتياح، تحجب رؤية الواقع الوطني بكل تعقيداته”، وفي ذلك رسالة منه إلى أن لا السلطة وحدها ولا المعارضة وحدها تملكان ما يسميه الأفافاس ”رؤية الواقع الوطني”، ما يعني أن ”وساطته” بإمكانها تقريب وجهات النظر وتحقيق الإجماع الوطني لإنقاذ الجمهورية.ولم يكتف الأفافاس لكسب مؤيدين لمبادرته بالتزامه بـ”العمل دون هوادة لتجسيد هذا الإجماع بتوفير الظروف المواتية لانعقاد وإنجاح الندوة الوطنية للإجماع وذلك بالتشاور مع كل الأطراف: معارضة، سلطة ومجتمع مدني”، بل أعلن في ضماناته أنه ”يشهد المواطنات والمواطنين طوال مسار تحضير هذه الندوة لإظهار أن المسعى المنتهج حيادي، غير تحزبي، الهدف الوحيد منه هو مصلحة الوطن”، وذلك بعدما تردد أن الأفافاس غيّر مواقفه، كما ذهب إليه سكرتيره الأول سابقا، كريم طابو، واتهمه آخرون من أحزاب المعارضة بأنه يقوم بالمناولة من الباطن لفائدة السلطة.الأفافاس الذي قاوم لعدة سنوات إغراءات السلطة وظل متخندقا في المعارضة، هل بمقدوره التخلي عن هذا الرصيد من المصداقية ويدخل في صفقات مع السلطة؟ رغم استبعاد دخول الحزب في مثل هذا المسار لاعتبارات عديدة، غير أن انسحاب زعيمه آيت أحمد من النشاط السياسي بسبب ما أسماه ”دورة الحياة”، قد أضعف، حسب المراقبين، جهاز المناعة لدى الأفافاس وجعله ليّنا بعد راديكاليته، خصوصا مع تراجع حضور الجيل الأول من مناضلي الحزب في صفوفه ومجيء جيل جديد من حقه الحلم بتحقيق مكاسب وطموحات. ويرى المتتبعون أن الأفافاس الذي كان في خطابات زعيمه آيت أحمد يرفض الحديث من غير ما يسميه ”السلطة الفعلية” أو ”أصحاب القرار”، يتحول، اليوم، لإجراء مشاورات مع أحزاب لا تملك القرار بيدها حتى وإن تعلق الأمر بندوة وطنية للإجماع الوطني، لا يمكنه أن يقدم على شيء قد يخسر فيه مصداقيته، ما لم يحصل على الأقل على ضمانات من السلطة تكسبه على الأقل ثمن الاجتهاد، خصوصا أن التيار الآخر في المعارضة يريد ”التغيير” بعكس الأفافاس، من دون إشراك السلطة.قيادة الأفافاس وضعت خطا بينها وبين مبادرة الانتقال الديمقراطي”ندوة الإجماع الوطني” طوق نجاة للسلطة وهدية للأفالان تظهر ”ندوة الإجماع الوطني” التي تقول قيادة جبهة القوى الاشتراكية إنها تسعى لعقدها، وكأنها طوق نجاة للسلطة التي تعاني من الضعف بسبب الوهن الذي يعاني منه مركز القرار الأساسي فيها، وهي في الوقت نفسه هدية لحزب النظام جبهة التحرير الوطني، الذي فقد المبادرة في الساحة السياسية بسبب الانقسامات التي تنخره. من كان يتصوَّر أن الأفافاس الراديكالي في مواقفه ضد النظام (رئاسة وجيش)، يستكين ويلين تجاهه إلى درجة أن يدير ظهره للمعارضة الممثلة حاليا في ”تنسيقية الانتقال الديمقراطي”، ويمدّ يديه للسلطة لإشراكها في تغيير يبدو مستحيلا طالما أن رأس السلطة عبد العزيز بوتفليقة يرفضه قطعيا وقد عبَّر عن ذلك بوضوح بترشحه لعهدة رابعة؟ ومن كان يتصوَّر أمين عام الأفالان يقول إن الحزب الواحد سابقا يشترك مع الأفافاس الذي حمل مؤسسوه السلاح في 1963 ضد قيادة هذا الحزب، يشتركان في المبادئ والأهداف؟ وبقدر ما تبيّن مبادرة حزب المؤسس حسين آيت احمد عمق الأزمة التي تتخبط فيها السلطة وحاجتها لشرعية ولو مؤقتا، بقدر ما تعكس درجة التغير الكبيرة في خطاب ومواقف أقدم حزب في المعارضة. وبالمحصّلة، فـ”ندوة الإجماع الوطني” هي محاولة لنفخ الروح في حزب يكاد يزول ونظام أنهكته تناقضاته الداخلية، استهلك كل المبادرات ولم يعد قادرا على حل مشاكل البلاد، وجاء عصيان رجال الأمن الوطني ليدقَّ مسمارا إضافيا في نعشه.  لقد بدأ الأفافاس في حشد التأييد لمبادرته في ظرف حرج للغاية بالنسبة للسلطة. ظرف تميزّه ظاهرتان: الأولى شغور منصب رئيس الجمهورية الذي يعاني من مرض مزمن، والثانية تراجع أسعار النفط الذي يستمد النظام قوته من ريوعه، وبفضله يشتري سلما مؤقتا. ثم، أليس لاختيار أفالان عمار سعداني كمحطة أولى للترويج للمبادرة مدلولا سياسيا معينا؟ لا يمكن للسلطة أن تأمل في هديَّة أكثر سخاء من التي يقدمها لها حاليا حزب ”الداالحسين”. وبذلك لن يكون غريبا أبدا رؤية الأفافاس المعارض الشَّرس سابقا، يشارك في الحكومة ويدافع عن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة أو يساند خليفته الذي يختاره الرئيس الحالي بنفسه. ألم يفعلها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العام 2000 وهو في أوج تطرفه ضد السلطة لما شارك في أولى حكومات بوتفليقة؟ ألم تكن لويزة حنون حليفة للجبهة الإسلامية للإنقاذ ونددت بقوة بسجن عباسي مدني وعلي بن حاج العام 1991، وبعد 23 سنة قامت بحملة انتخابية لفائدة مرشَّح النظام؟وعلاوة على غرابة مسعى الأفافاس، في حد ذاته، الذي يشتم منه البعض رائحة صفقة مع النظام، لم تكشف قيادة الحزب عن مضمون ”الإجماع الوطني” الذي تريده، هذا إن وجد أصلا. كما لم توضّح آليات تنفيذه ولم تشرح ما هو ”الإجماع” ومع من يكون؟ هل يكون بين السلطة والمعارضة؟ فإذا كان هذا هو المغزى، فالأفافاس يبحث عن أداء دور وسيط بين الطرفين وتخلى بالتالي عن مشروعه الذي قام من أجله وهو رحيل النظام، واستبداله بآخر يؤمن بالديمقراطية والتداول، ويتخلى عن العنف كآلية لاحتكار القرار.حوارالمؤرخ والناشط السياسي محند أرزقي فراد لـ”الخبر””أخشى أن الأفافاس وصل مرحلة ”مغازلة” السلطة”ضمن أيّ سياق يمكن تصنيف مبادرة الإجماع الوطني للأفافاس؟ أولا: جبهة القوى الاشتراكية حزب عريق في المعارضة وله مكانة في عالم السياسة. ثانيا: إذا استطاع الأفافاس إقناع النظام المستبد والشمولي بالجلوس مع المعارضة، فسنكون له من الشاكرين. ومن هذا المنطلق، أتساءل: حزب كبير بحجم الأفافاس ويطمح إلى لعب دور الوساطة بين السلطة والمعارضة، كان من المفروض عليه الاستجابة لدعوة الانضمام إلى هيئة التشاور والمتابعة. وإصلاح ذات البين يستدعي الاستماع إلى الطرفين، فهل هي نظرة فوقية؟ وهل تريد الجبهة إبراز نفسها قائدا للمعارضة؟ وهل جرى اتفاق ما ولا يريد الأفافاس للمعارضة أن تتطلع عليه؟الأفافاس دافع عن نفسه وقال إن مبادرة الإجماع الوطني محايدة وغير متحزبة؟ إذا، تبقى المبادرة مجرد مشروع، والمتوفر حاليا هو نتائج ندوة زرالدة ويجب مواصلة الحفاظ عليها باعتبارها منعرجا في التاريخ السياسي لجزائر ما بعد الاستقلال، لذلك على المعارضة في الجزائر أن تبني مواقفها بناء على أرضية الانتقال الديمقراطي، والجميع مرحب به في هيئة التشاور والمتابعة. الهدف الفعلي الواجب تحقيقه هو إقناع النظام المستبد الذي يعتقد أنه خلق ليعيش مدى الحياة، بالجلوس مع المعارضة، من أجل تحقيق التغيير وبناء جمهورية ترجع فيها السيادة إلى الشعب. ومبادرة التنسيقية ممتازة لعدة اعتبارات أهمها تجاوزها للأيديولوجيات. وتحاول السلطة الالتفاف على الشعب، سعيا وراء شرعية وهمية قد تخفي فضائحهم لبعض الوقت، ويبدو أن الوضع صعب لأن المستبد الذي يعمّر طويلا في سدة الحكم، ينتهي به الأمر إلى اعتبار نفسه الممثل الوحيد للشعب، ولقد نجحت المعارضة في تجاوز صراعاتها الإيديولوجية وفي توحيد جهودها وتقديم بديل سياسي جدير بالدراسة والإثراء، وندوة 10 جوان 2014 كانت بمثابة منار أخرجنا من عنق الزجاجة، وعلينا الآن أن نحافظ على روح هذه الندوة ومواصلة العمل والنضال قصد التوصل إلى اقتراح وسائل إجرائية.كيف تتوقع إذن مسار مبادرة الإجماع الوطني؟ أخشى أن تكون جبهة القوى الاشتراكية تقوم بمغازلة السلطة، وبحكم علاقة الدم والتاريخ التي تجمعني بالأفافاس فإن الحزب انتهى برحيل حسين آيت احمد عنه، فصرنا نلاحظ أن علاقة الجبهة بالسلطة ”مغازلة”. وعلى هذا الأساس، ليس من المعقول بعد رحيل آيت احمد عن الحزب لايزال الأفافاس دون رئيس، فهذا التفكير ”ستاليني”. وعليه أتساءل: هل تمت مصادرة الحزب؟ لأن رئيس الأفافاس يذهب وتظهر فيما بعد جماعة وتعمل دون رئيس، فالثقافة الديمقراطية تقتضي انتخاب رئيس جديد للأفافاس، مثلما تنتخب الشعوب رئيسا لها عندما يرحل رئيسهم السابق.الجزائر: حاوره خالد بوديةرئيس ”جيل جديد” جيلالي سفيان لـ”الخبر””مبادرة الأفافاس تبرير لمشاركته في الحكومة”كيف تنظر إلى مبادرة ندوة الإجماع الوطني لجبهة القوى الاشتراكية؟ كل واحد حر وله الحق في الطموح لتنفيذ مشروع سياسي معيّن. لكن المشكل أن مبادرة ندوة الإجماع الوطني للأفافاس هي نفس ما قامت به التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي. وقيادات هذا الحزب يحاولون تغيير مبادرة التنسيقية عبر تمييعها في خطة تشبه ممارسات النظام، من خلال محو كل ما نتج عن مبادرة الندوة الوطنية لزرالدة يوم 10 جوان الفارط. ولا يمكن النظر إلى مبادرة الأفافاس إلا أن هدفها هو تكسير مساعي الانتقال الديمقراطي، حيث إنهم لم يقدموا أي جديد والمتوفر لديهم حاليا الاتجاه إلى أحزاب الموالاة لكتابة صفحة بيضاء، حسبهم، وهذا كله الهدف منه استهداف المعارضة التي بدأت تتكتل وصورة عملها تتضح.هل تعتقد أن الأفافاس يمارس مهمة رجل المطافئ لإنقاذ السلطة؟ بالطبع. وأود التذكير بأن جبهة القوى الاشتراكية حصلت في الانتخابات التشريعية الأخيرة على ما يقارب 180 ألف صوت كغيرها من الأحزاب الصغيرة، فهل بهذا الوعاء والرصيد يمكن للأفافاس أن يقود المعارضة ويكون وسيطا مع السلطة؟ الأفافاس يحاول أن يفرض نفسه كوسيط دون أن يقدم أي شيء. على الأقل نحن في التنسيقية خرجنا بندوة زرالدة بأرضية واقترحناها على السلطة ودعوناها إلى المشاركة لكنها رفضت، والسبب أنها على علم تام بتوريط البلاد في مأزق كبير أدى إلى تراكم ملفات فساد ثقيلة.الأهم في الفترة الحالية هو التفكير في كيفية بناء مؤسسات قوية من جديد ومرحلة انتقالية تعود فيها السيادة إلى الشعب، فلقد دعونا الأفافاس إلى الحوار وقلنا للجميع تعالوا نتحدث، فلسنا نجري وراء المناصب أو الامتيازات.ألا ترى أنهّا أحكام تظلم نوعا ما الأفافاس، فالمبادرة لاتزال في إطار مشروع فقط؟ ليس بهذا المعنى، لكن من هو الأفافاس حتى يكلف نفسه ليقود الجميع، ثم إنها مهمة أكبر من الجبهة. رسالة الأفافاس تقوم على مفهوم واحد فقط ”أنا من يقودكم”، وهذا تصرف غير أخلاقي، لأنّنا دعونا الحزب للانضمام إلى التنسيقية وهيئة التشاور والمتابعة لكنهم رفضوا، وهم يعلمون أن في كلتيهما لا أحد يقود الآخر وإنما يوجد مشروع نريد الدفاع عنه. ومازلنا لغاية الساعة لم نفهم على أي أساس يستند الأفافاس للعب دور الوسيط بين المعارضة والسلطة وتحقيق إجماع أو توافق وطني لكن بماذا، هل بتغيير الدستور، فرض انتخابات مسبقة، تحقيق مرحلة انتقالية..؟ هذا كله مجرد أوهام، فقد لاحظنا كيف برر الأفافاس مشاركته في مشاورات تعديل الدستور عبر تغيير مواقفه، والحكاية وما فيها هي تصوير المعارضة على أنها متطرفة، ليبرر مشاركته في الحكومة.الجزائر: حاوره خالد بودية

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: