+ -

تحت شمس أفريقيا المشرقة في 19 أغسطس 2011، هبطت في مطار مقديشو الطائرة التي تقل رئيس الوزراء إردوغان وعائلته ومع وفد كبير مكون من العديد من الشرائح المختلفة في الجمهورية التركية. كانت هذه واحدة من أولى الرحلات الدولية نحو الصومال بعد انقطاع طويل جداً. وقد حولت هذه الزيارة مجرى الأمور في الصومال التي عانت لفترات طويلة من الاضطرابات تمثلت في عدم الاستقرار المزمن والصراع الاجتماعي، والتي بدورها أدت الى أزمة إنسانية خطيرة متزامنة مع جفاف شديد ومجاعة. في ذلك اليوم ولدت شراكة جديدة من رماد الحرب الأهلية والكارثة الإنسانية، بدأ الأتراك والصوماليون السعي الجاد كتفاً إلى كتف لتخفيف الآثار المترتبة عن استمرار ذلك الوضع المزري، والعمل على إعادة بناء الدولة. طائر الفينيق مستعد الآن لفرد جناحيه: نحن نتحدث الآن عن إحياء وإنعاش الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الصومال. فالعمل جار من أجل مستقبل أفضل.بدأت تركيا فعلاً بالعمل على تغيير الأوضاع ليس فقط في الصومال بل في أفريقيا ككل. أفريقيا ملك للأفريقيين، “نحن لم نأت إلى هنا سعيا لذهبكم”، كانت هذه كلمات رئيس الوزراء في ذلك الوقت، رجب طيب إردوغان أمام برلمان الغابون في يناير 2013.تركيا لم تكن مطلقاً في موقع المستعمر في علاقتها مع القارة الأفريقية، بل على العكس من ذلك، طلبت الأمة الأفريقية المساعدة من العثمانيين في صراعهم مع المستعمر. ولا يخفى على أحد أن حرب الاستقلال التي قاتلنا وحاربنا فيها قبل ما يقارب القرن من الزمان بقيادة مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، كان لها تأثير كبير على الشعوب الأفريقية في سعيها نحو الاستقلال، وقد سمع صدى هذا الماضي مراراً عندما كانت البحرية التركية تزور موانئ 24 دولة أفريقية.لم تكن تركيا مطلقاً غير مبالية بالتنمية في أفريقيا. فالتاريخ قد جمع بين تركيا وأفريقيا وخلق بينهما ألفة وسمح بتكوين روابط عديدة. لقد كنا دوماً متضامنين مع الشعوب الأفريقية في كفاحها المستحق من أجل التحرر من الاستعمار وتحقيق الاستقلال الوطني. يسعدنا كثيراً أن نشعر بأن شعوب أفريقيا تعتبر تركيا دولة صديقة وقريبة.تقدم قارة أفريقيا، بتاريخها الممتد لعدة قرون بالفضيلة والحكمة وشعبها الشاب المفعم بالحيوية ومواردها الطبيعية الهائلة، العديد من الفرص لدولها وأبنائها. كما تعتبر تركيا قارة أفريقيا مهدا للحضارة وحاضنة لمستقبل البشرية. ويسرنا دون أدنى شك أن نرى الإنجازات في عمليات التحديث والتحول السياسي والديمقراطي والاجتماعي والثقافي في العديد من البلدان الأفريقية .أول تمثيل دبلوماسي لتركيا في أفريقيا كان في جنوب الصحراء مطلع القرن العشرين، حيث أنشئت أول قنصلية تركية في مدينة حرار في إثيوبيا. اليوم تنتشر قنوات التفاعل والاتصال العديدة في القارة الأفريقية متمثلة في 39 سفارة تركية. وبالمقابل، يوجد 32 سفارة لدول أفريقية في أنقرة. إلا أن هذا التمثيل الدبلوماسي الكبير هو مجرد وجه واحد للعملة. إن التواصل بين الأفراد في ازدياد يوماً بعد يوم، هنالك آلاف الأفارقة يقيمون ويعملون في تركيا والعكس صحيح. لقد أضحت الخطوط التركية إحدى أكبر شركات الطيران الدولي التي تصل إلى القارة، حيث تنطلق مباشرة إلى ما يقرب الأربعين وجهة. هناك تنام في الاستثمارات التركية في القارة الأفريقية، والعديد من هذه الاستثمارات تعد الوحيدة من نوعها التي تقوم بتوظيف العمالة المحلية، حيث يتم من خلال هذه الاستثمارات استخدام الموارد المحلية وتصدير المنتجات النهائية إلى دول العالم الثالث. والشركات الخاصة التركية سوف تستثمر أكثر من 100 مليون دولار خلال السنتين أو الثلاث سنوات المقبلة في مقديشو وحدها. خلال العقد الماضي، ارتفع إجمالي التجارة مع الدول الأفريقية جنوبي الصحراء إلى عشرة أضعاف ما كانت عليه.منذ عام 2005، الذي يعتبر “عام أفريقيا في تركيا” وبالتزامن مع سياسة الانفتاح التركية تجاه أفريقيا، ازداد الارتباط مع الدول الأفريقية حتى أصبحت تركيا شريكا مهما في التنمية والتجارة والاستثمار في أفريقيا .اليوم، نقوم بكل ما بوسعنا لندعم بفعالية الجهود التي يبذلها الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية لتحقيق السلام الدائم والديمقراطية الحقيقية والتنمية المستدامة والرفاه للجميع .في عام 2013، احتلت تركيا المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مجال المساعدات الإنسانية، والمرتبة الأولى من حيث نسبة المساعدات التنموية بالمقارنة مع ناتجها المحلي الإجمالي، وستكون تركيا أول دولة تستضيف القمة العالمية للعمل الإنساني التي ستعقد في العام 2016 حيث كان للتعاون مع الدول الأفريقية دور كبير في هذا الإنجاز. ولقد حقـقنا تقريباً كل الأهداف التي وضعناها عقب قمة التعاون بين تركيا وأفريقيا التي عقدت في عام 2008.والآن، بمقدورنا القول أن سياسة الانفتاح التركية تجاه أفريقيا قد أنجزت بنجاح. حيث كنا قد أطلقنا في العام 2013 سياسة جديدة تجاه الشراكة التركية الأفريقية تحت شعار “القضايا الأفريقية تتطلب حلولا أفريقية” كمبدأ رئيسي لهذه العلاقة. كما سنقوم بوضع الأرضية الأساسية للسنوات الأربع القادمة وذلك من خلال قمة الشراكة التي ستعقد في مالابو، في الفترة الواقعة ما بين 19 و21 تشرين الثاني 2014. وسيكون عنوان القمة “نموذج جديد للشراكة من أجل تعزيز التنمية المستدامة والتكامل الأفريقي”، إذ سنتفق من خلالها على العديد من الأمور والمعالم والأهداف الجديدة في إطار سعينا المشترك نحو تحقيق المزيد من التعاون الذي يصب في مصلحة الجانبين. كما سنعتمد وثيقتين خلال هذه القمة، الأولى هي الإعلان والأخرى هي خطة التنفيذ المشتركة القادمة للأعوام ما بين 2015 و2018. كجزء من سياسة الشراكة الجديدة، سنعتمد توجها متعدد الطبقات في أفريقيا. قمنا بتأسيس علاقات سياسية متينة مع دول أفريقية عبر تكثيف الزيارات رفيعة المستوى وعبر تمثيل صوت دول أفريقيا في الدفاع عن حقوقها ومواقفها، سواء في المحافل الثنائية أو متعددة الأطراف. نقوم بخلق شراكات اقتصادية مع الدول الأفريقية للتغلب على تحدياتها، من خلال زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار والمساعدات الإنسانية. بالإضافة إلى استعدادنا عند الحاجة للعب دورنا الدبلوماسي في التسوية السلمية للنزاعات والخلافات. تركيا لا تعتبر نفسها كيانا غريبا عن القارة، بل شريك إستراتيجي يعمل نحو مزيد من التطور في الديمقراطية والحوكمة الرشيدة والازدهار.ستظل تركيا ملتزمة تماماً بدعم الاتحاد الأفريقي لتحقيق أهدافه في المجالات ذات الأولوية التي ستعزز الملكية الأفريقية للقضايا الأفريقية. وتحديدا في هذا الأمر نشعر بالفخر لكوننا شريكاً إستراتيجياً في ارتقاء القارة الأفريقية.أنشطتنا متعددة الأوجه وجهودنا في جميع أنحاء القارة خلال العقد المنصرم هي بالتأكيد شهادة واضحة لعزمنا المستمر على مواصلة تطوير علاقاتنا وتعزيزها، وبناء أواصر علاقات أقوى مع الدول الأفريقية والاتحاد الأفريقي والمنظمات الإقليمية الأفريقية.        وزير خارجية الجمهورية التركية

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: