بوتفليقة يخل بالقسم الدستوري في تصحيح التعديل

+ -

 في الـ70 كلمة التي تتضمنها اليمين الدستورية التي يقرأها رئيس الجمهورية، إيذانا بانطلاق ممارسة مهامه بعد انتخابه، توجد 11 كلمة في غاية الأهمية هي: “أقسم بالله العلي العظيم أن أعمل على توفير الشروط اللازمة للسير العادي للمؤسسات..”. تصحيح التعديل الحكومي، الذي وقع أول أمس، يثبت بالدليل أن بوتفليقة أخل بهذا التعهد، وبأنه عاجز عن مجرد ترتيب شؤون السلطة التنفيذية.الخطأ والتصحيح والاستدراك على مستوى اختيار أعضاء الطاقم الحكومي، في أي بلد يملك مؤسسات ورئيسا صاحب رؤية ومشروع، لا يصح وغير مسموح. وإذا حدث، فذلك يعني اختلالا هيكليا في منظومة السلطة وعدم انسجام في صف الفريق الذي يدير شؤون البلاد. وفي حالة الجزائر، يعكس هذا الخطأ أحد احتمالين أو كليهما معا. هو يعكس شغورا في وظيفة رئيس الجمهورية، نتيجة مرض بوتفليقة وعجزه عن أداء مهامه المنصوص عليها دستوريا. كما قد يعكس لعبة توازنات بين عصب النظام، استدعت فرض تصحيح التغيير لإرضاء طرف معين لم تعجبه “قسمة” الخميس الماضي.وفي كلتا الفرضيتين، فالتعديل الحكومي والتصحيح الذي جاء بعده لا يستجيبان لتطلعات المجتمع ومواكبة التطورات التي أحدثها انهيار أسعار النفط، وإنما يستجيب لحاجة ظرفية موجهة لخدمة الرئيس وجماعته مباشرة، أو لتسيير التوازن بين الأجنحة في النظام. وقد تكون الحالتان تخدمان الهدفين معا. وبالمحصلة تعطي الجزائر عن نفسها، وهي تعيش هذه الفوضى والارتباك والتخبط، صورة كوميديا هزلية عنوانها “العبث”. ومعروف أن التصور الذي تحتفظ به البلاد، بخصوص هيكلة السلطة التنفيذية والمؤسسات والهيئات، مستنسخ من النظام السياسي الفرنسي. لكن تطبيقه عندنا نسخة رديئة وبالية عن هذا النظام.وفيما يتعلق بأصل هذا التخبط، وهو إعادة ترتيب المهام بين رمطان لعمامرة وعبد القادر مساهل، فإن المرجع الذي يحدد الصلاحيات في وزارة الخارجية، مرسوم يحمل رقم 403 صادر في 26 نوفمبر 2002 (الجريدة الرسمية رقم 79). النص يسند لوزير الخارجية تسيير الإدارة المركزية والسفارات والقنصليات. والملاحظ أن بوتفليقة أعطى لمساهل قطاعا فرعيا في الخارجية، منذ 13 سنة، يتعلق بإفريقيا والمغرب العربي. وانقطع عنه لفترة قصيرة، عندما انتقل إلى وزارة الإعلام العام الماضي. غير أن الرئيس لم يصدر مرسوما يوضح صلاحيات الوزير المنتدب، وبذلك ظل مساهل فترة طويلة بمثابة موظف تحت إشراف وزير الخارجية، ولم يغير مرسوم آخر صدر في 2 جوان 2008، يتحدث عن تنظيم إدارة الخارجية، أي شيء في وضعية مساهل.وبالتدقيق في نص المرسوم 403، قد يستمد مساهل صلاحياته من المادة 3 فقرة 2 التي تتيح لوزير الخارجية تفويض أحد يعبر عن مواقف الدولة. وبما أن مساهل أصبح الآن وزيرا بحقيبة كاملة، مطلوب من بوتفليقة تصحيح مرسوم 2002 أو إصدار مرسوم جديد يوضح صلاحيات سفير الجزائر بهولندا سابقا. وقد جاءت الأخطاء التي حملها التعديل الحكومي وبعده التصحيح، لتكشف عن نقائص فادحة في تنظيم وتسيير قطاع سيادي هو الخارجية. وعندما يرتكب رئيس خطأ على هذا المستوى، فذلك دليل عجز عن إدارة دفة الحكم. ويحاول بوتفليقة مداراة هذا العجز باستقبال مبعوثين أجانب، لكن هذه الطريقة أصبحت مكشوفة لا تصمد أمام حقيقة أن الرئيس لا يقوى على مخاطبة الذين “انتخبوه” في أربع مناسبات. والاختلالات التي وقعت خلال 4 أيام، يفترض أن تدفع أعضاء البرلمان إلى أداء واجبهم في مساءلة الجهاز التنفيذي ومحاسبته. فهل سيفعلونها أم سيكرسون عن أنفسهم صفة “شهود ما شافوش حاجة؟”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: