+ -

 من الملاحظ أنّ السّياق القرآني يشير إلى أنّ القِبلة الأولى كانت إلى البيت المقدس، وذلك بلفظ {الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا}، ولهذا تأتي البِشارة في محلها من الحكيم الخبير.. قال تعالى مخاطبًا نبيّه الكريم بعد حادثة التّحويل: {وَمَا كَانَ اللّه لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}، حيث بشرّهم سبحانه وتعالى أنّه جلّ في عُلاه لا يضيع في نبيّه الكريم ولا لأصحابه الأعلام ثواب الصّلوات الّتي قد أدّوها وهم مستقبلي الأقصى المبارك، لأنّهم أدّوها كاملة إمّا بطريقة اجتهاد نبويّ وإمّا بتوجيه إلهي كما سبق ذِكرُه.وقد روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما من طرق صحاح، كما جاء في سيرة ابن هشام رحمه اللّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا صلّى بمكّة استقبل بيت المقدس وجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فلمّا كان عليه الصّلاة والسّلام يتحرّى القبلتين جميعًا لم يبيّن توجّهه إلى بيت المقدس للنّاس حتّى خرج من مكّة، قال اللّه تعالى له في الآية النّاسخة: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة:150، أي من أيّ جهة جئتَ إلى الصّلاة وخرجتَ إليها فاستقبل الكعبة، كنتَ مستديرًا لبيت المقدس أو لم تكن لأنّه عليه الصّلاة والسّلام كان يتحرّى في استقباله بيت المقدس أن تكون الكعبة بين يديه.وتدبّر قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ}، وقال لأمّته وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره ولم يقل حيثما خرجتم، وذلك أنّه كان عليه الصّلاة والسّلام إمام المسلمين فكان يخرج إليهم إلى كلّ صلاة ليُصلّي بهم، وكان ذلك واجبًا عليه إذ كان عليه الصّلاة والسّلام الإمام المقتدى به، فأفاد ذكر الخروج في خاصّته في هذا المعنى، ولم يكن حكم غيره هكذا يقتضي الخروج ولا سيما النّساء ومَن لا جماعة عليه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات