الفساد التهم “البحبوحة” والحكومة تدعو المواطن لتقاسم أعباء الفشل

+ -

 عندما تكون الجزائر تتنفس برئة واحدة، هي البترول، فهي معرضة للاختناق أمام أول حالة “زكام” قد تصيب بورصات النفط الدولية. هذه الحقيقة التي رددها أكثر من خبير، وقف عندها الوزير الأول مؤخرا، وهو يقدم أرقاما عما تبقى من احتياطيات الصرف، إيذانا من حكومته بالدخول في مرحلة “ربط الحزام”، بعد سنوات من “البحبوحة” ذهبت هكذا دون خلق اقتصاد بديل للمحروقات في بلد بحجم الجزائر، مساحته أكثر من مليوني كلم مربع، أغلبها فلاحية ويعيش فيه 40 مليون نسمة.إذا كان خطاب “الحقيقة” الذي ردده عبد المالك سلال، غداة تعديل حكومته الرابعة في لقائه مع مسؤولي سوناطراك، قد رسم صورة سوداء عما هو قادم، جراء تراجع مداخيل الدولة وقرب نفاد احتياطيها من العملة الصعبة، فإنه في المقابل ترك مرارة في الحناجر لدى الرأي العام، بعدما كان الخطاب الرسمي للدولة يقول إن الجزائر في منأى عن الأزمة المالية وأن سحابتها لن تمر على سماء الوطن. فكيف يمكن أن تقنع الحكومة مواطنيها بالمساهمة في تقاسم أعباء الأزمة المالية التي دخلت فيها البلاد بكامل أجزائها، بعدما هوى برميل النفط بنصف قيمته في ظرف قياسي، واحتمال استرجاعه عافيته لن يكون في المدى القريب، حسب خبراء السوق النفطية، وهي التي تركت “المال السايب يعلم السرقة”، بدليل فضائح الفساد التي تفجرت في أكثر من قطاع بما فيها أكبر شركة في الجزائر “سوناطراك”؟.ما يسجل على هذه المسألة أنه ليس “التقارير” المكتوبة و”الاستراتيجيات” المرسومة على الورق هي التي كانت تنقص أصحاب القرار في الجزائر، بحيث سبق أن قام “الكناس” بوضع إستراتيجية صناعية سنة 96 وقامت الثلاثية من جهتها باقتراح إستراتيجية مماثلة، لكن كلها بقيت حبرا في أدراج السلطات العمومية أو أدخلت إلى “الثلاجة” في أحسن الأحوال، لأن السلطة في الجزائر، وهي عادتها دوما، لا تفكر في بديل اقتصادي للمحروقات إلا في أوقات الأزمات المالية، وهو ما يعني أن تكلفتها ستكون باهظة الثمن، على غرار ما يجري هذه الأيام من تدابير تقشفية من قبل الحكومة، مست توقيف مشاريع للبنية التحتية وامتدت لتشمل التقطير في مجال التشغيل حتى في القطاعات الحيوية، على غرار التربية والتعليم العالي والوظيف العمومي والصحة والسكن.ولعل هذا التفكير المناسباتي السائد وسط مؤسسات الحكم في الجزائر وراء ما ذهب إليه الخبراء الدوليون من أن الدول النامية، والجزائر واحدة منها، تخسر سنويا نحو 50 بالمائة من مواردها المالية التي تتبخر في الهواء، بسبب فساد أنظمة الحكم وغياب الحكم الراشد. وليس الحكم الراشد، كما يعتقد البعض، هو آبار البترول والغاز أو مناجم الحديد والذهب، وإنما يكمن في مدى العناية التي توليها الدولة لمواردها البشرية من إطارات وباحثين وجامعيين وموظفين وعمال. فهل تمارس الجزائر الحكم الراشد؟ثقل المشكلة التي تواجهها الجزائر لا تظهر كل فصولها إلا عندما نعلم أن الجزائر معرضة لهزة قوية لا يمكن حسابها بواسطة درجات سلم ريشتر، بحيث تشير تقديرات الخبراء أن الجزائر ستفقد كل خبراتها وكوادرها العلمية في غضون السنوات القليلة القادمة، جراء هروب أدمغتها باتجاه الخارج. وكشفت الأرقام في هذا المجال فقط عن هروب 10 آلاف طبيب جزائري إلى الخارج، ونفس الشيء بالنسبة لأكبر إطارات سوناطراك وطياري الخطوط الجوية الجزائرية، ودكاترة الجامعة، دون حساب بقية الكفاءات الأخرى في مجال الإعلام الآلي والتكنولوجيات الحديثة. فأي سياسة يراد تنفيذها من قبل الحكومة لمواجهة الأزمة المالية من الصعب تحقيقها والبلد يفقد من يوم لآخر “مادته الرمادية”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: