+ -

سرد “الحراڤ” الجزائري، الذي اختار اسما مستعارا “فتحي”، لـ«الخبر” في باريس، تفاصيل مغامرته مع البحر الأبيض المتوسط منذ 6 سنوات، حيث راح يقول ويعيد بأنه رأى الموت المحقق نصب عينيه على مدار 3 أيام قضاها بعرض مياه المتوسط، واصفا مغامرته بـ«الجنونية” آنذاك، مؤكدا أنه ليست لديه الشجاعة اليوم لإعادة خوضها من جديد، كون الأمر يعني مأساة حقيقية يعجز اللسان عن توظيف العبارات القوية للتعبير عن هول المشهد.دفع الأموال للوسيط وشراء العتادالبداية كانت من بلدية مسقط رأسي “ويليس” بمستغانم، يقول، بالاتفاق مع مجموعة من الأصدقاء الحالمين بالالتحاق بالضفة الأخرى للمتوسط، بحثا عن العمل وحياة أفضل بأوروبا. كان عددهم 11 شابا، حيث تم الاتصال بالوسيط أولا، وفي الوقت نفسه هو المرشد ابن الضاحية من أجل عبور المتوسط. يقول “فتحي”: “هذا الأخير طلب منا دفع مبلغ 8 ملايين سنتيم لكل واحد مقابل إيصالنا إلى إسبانيا في ظرف 24 ساعة”، يضيف محدثنا: “وهي التعليمات التي اتبعها الفوج المكون من 11 شابا، الذي جمع كل واحد منهم الأموال المطلوبة منه بشتى الطرق؛ فمثلا أنا جمعتها من عائدات كراء واقيات الشمس بشاطئ ويليس، وقمنا بعدها باقتناء العتاد اللازم للقيام بالرحلة، واشترينا المحرك من نوع “ياماها” بمبلغ 32 مليونا والقارب المطاطي “البوطي” بـ19 مليونا، وجهاز “جي. بي. آس” بمليوني سنتيم مع البوصلة، ثم تتبعنا حالة الطقس وانتظرنا لمدة ثلاثة أيام كي يهدأ البحر، وفي تلك الأوقات اغتنمنا الفرصة لتشغيل المحرك داخل وعاء حديدي من الحجم الكبير (تينة) مملوء بالماء، ومن جهة أخرى اهتم البعض الآخر بشراء كميات كبيرة من البنزين، لكن واجهتنا مشكلة تحميل هذه الكمية الهائلة وإنزالها إلى الشاطئ، الأمر الذي دفعني إلى سرقة أربعة حمير من إحدى المزارع القريبة لشحن البنزين والعتاد”، يقول فتحي.موعد الإبحار ودخول مغامرة الموت“في حدود الساعة الواحدة من صبيحة يوم الفاتح من نوفمبر 2009 توجهنا نحو الشاطئ لضبط آخر الروتوشات قبل الإبحار، بعد الاتصال بأحد الأصدقاء من أجل تأمين الطريق وإخطارنا فور رؤيته لدوريات “الساحقة” أو بالأحرى رجال الدرك”، يقول فتحي، الذي يضيف: “وعندما دقت الرابعة صباحا أبحرنا مسرعين خوفا من إحباط محاولتنا تاركين وراءنا أمتعة الأكل والشرب، وبمجرد ابتعادنا عن الشاطئ شرعنا في الغناء والصراخ؛ اعتقدنا بأننا تحررنا ولن يبقى أمامنا الكثير للالتحاق بالشواطئ الإسبانية، إلا أن الرياح خدعتنا ولم تجر كما اشتهينا، وسرعان ما انقلب الوضع من الغناء إلى البكاء ومن الصراخ إلى العويل، وسط العتمة وتلاطم الأمواج. فقدنا الاتجاه وانعدمت الرؤية، وهنا قال لنا المرشد “ليس بإمكاني فعل شيء.. عليكم بالشهادة”، فبدأ كل واحد منا ينادي باسم أمه ويناجي ربه، إذ باءت كل محاولاتنا في طلب النجدة عند مرور كل باخرة نراها بالفشل، فيما رفض أيضا قارب آخر للحراڤة تصادفنا معه تقديم يد المساعدة. وبقينا على هذه الحال على مدار ثلاثة أيام صارعنا فيها الموت المحقق دون أكل ولا شراب، وفقدنا الأمل نهائيا بعد سقوط أمتعتنا وضعف أجسامنا ثم امتلاء القارب بالمياه وانقلابه في كل مرة وتكدس بعضنا على بعض، إلى أن أنقذتنا قوات خفر السواحل الإسبانية بعدما انتشلتنا في حالة يرثى لها”.ولدى إنقاذنا، يقول فتحي، تم تزويدنا بالأغطية وفحصنا، مع إعطائنا مجموعة من الحقن، ثم قدموا لنا قهوة ساخنة إلا أننا لم نتمكن من الوقوف على أقدامنا نظرا لمعاناتنا بعرض البحر، ليتم بعدها اقتيادنا إلى مركز عبور “كارتخينا”، حيث وجدنا في انتظارنا مترجمة مغربية بدأت في طرح الأسئلة “من أين قدمتم؟ ولماذا جئتم؟” وغيرها، ثم تم تحويلنا على متن الطائرة باتجاه مركز عبور برشلونة بعدما وجدنا الأول مملوءا، والأمر سيان بالنسبة للثاني عند وصولنا إلى برشلونة، حيث تم تسليم لكل واحد أوراقا صالحة لمدة سنة على تراب الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى مبلغ 50 أورو، وأمام امتلاء مراكز العبور أخذونا إلى الفندق، حيث مكثنا 10 أيام وبعدها تفرقنا، وكل واحد سلك طريقه نحو فرنسا”. ويضيف فتحي: “قمت بالاتصال بأحد الأصدقاء القاطنين بمدينة تولوز، وطلبت منه إرسال مبلغ 150 أورو لي ثمن سيارة الأجرة التي أوصلتني إلى المدينة، وبعدها تنقلت إلى باريس عند أحد الأقارب. هذا الأخير لم أمكث عنده طويلا ونجحت في استئجار غرفة بعدما اشتغلت في العديد من الأسواق الأسبوعية بمقابل 30 و40 أورو في اليوم، وكنت بكل صعوبة أختبئ عندما أرى رجال الشرطة وأتجنب المشاكل كالمشادات الكلامية، حتى لا أقع في أيدي قوات الأمن”.زواج وتسوية الوضعيةيواصل فتحي روايته: “في سنة 2013 تعرفت على فتاة فرنسية اسمها “جيسيكا” عرضت عليها الزواج فقبلت وبعد سنة رزقت بـ«محمد الأمين”، ومباشرة بعد ولادته تم منحي شقة وبطاقة الإقامة الشرعية لمدة سنة سأتمكن من خلالها من زيارة ويليس بمستغانم ورؤية أمي في القريب العاجل، قبيل حلول شهر رمضان الكريم بإذن اللّه”، يقول فتحي.ولدى انتهائه من سرد قصته أوضح فتحي بأنه ينصح كل أصدقائه الذين يتصلون به من الجزائر والراغبين في سلوك الطريق نفسه بأن يتجنبوا وقوع كارثة إنسانية، خاصة بعد هلاك ابن خاله بعرض البحر الأبيض المتوسط مؤخرا، لكن همّ هؤلاء الوحيد البحث عن فتيات فرنسيات وحجزهن في انتظار الالتحاق بهن يوما ما، كي يتسنى لهم الحصول على وثائق الإقامة الفرنسية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: