+ -

امتدت آثار زلزال انهيار أسعار النفط إلى بيوت الجزائريين، بعد سياسة التقشف المعلن عنها من قبل الحكومة، فعصفت بميزانية “الزوالية” وأصحاب الدخل الضعيف الذين هم على موعد مع “شد الحزام” طوال شهر رمضان. وإن كانت مائدة إفطار الأغنياء وميسوري الحال تتزين بما لذ وطاب من أطباق، فالفقراء قد يلجأون إلى الاستدانة من أجل قطعة خبز وصحن شوربة. بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، سقطت عادات وتقاليد كثيرة للجزائريين من الأجندة الخاصة بشهر رمضان لهذا العام، على غرار إعادة طلاء المنازل وشراء أوان جديدة، بل أصابت “حمى التقشف” حتى مائدة الإفطار التي “ستفتقد” لأطباق وصفتها بعض ربات البيوت بـ”الكمالية”، رغم أنها كانت تعد بمثابة سلطان المائدة خلال السنوات الماضية، كطبق اللحم الحلو والبوراك.فبسوق باش جراح في الجزائر العاصمة، التقينا بالسيدة مشياك رفقة والدتها الطاعنة في السن، بالقرب من إحدى الطاولات لبيع الخضر والفواكه، ونظرا لأن الأسعار كانت “نار” في ذلك اليوم المشمس والحار، قررت السيدة اقتناء البطاطا وعلبة كبيرة من الجبن فقط.تقول محدثتنا مبتسمة، وبعبارة ارتأينا نقلها كما جاءت على لسانها “هذا العام مائدة رمضان رايحة تشرُب”، بمعنى أنها ستتخلى عن العديد من الأطباق، فطبق “اللحم الحلو” مثلا قررت طهيه خلال اليوم الأول فقط لرمضان، بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار الزبيب والعنب والمشمش الجاف، أما البوراك فسيكون بطعم السبانخ أو البطاطا والجبن.وتشاطرها الرأي الوالدة قائلة “كل شيء تغير، رمضان شهر عبادة وليس لإشباع البطون، لكن لهيب الأسعار يدفع الكثير من العائلات هذا العام إلى الاستغناء عن اللحوم الحمراء في تحضير الشوربة وتعويضها بالبيضاء كالديك الرومي”.وغير بعيد عن طاولة بيع الخضر والفواكه، كانت العجوز فاطمة الزهراء حنفي ترمي خطوات متثاقلة، وهي تحمل قفة، والعرق يتصبب من وجهها، دفعنا فضولنا لمعرفة محتواها، فتنهدت بعمق قبل أن تطلعنا على ما اقتنته من السوق، حبات من البطاطا والبصل، هو كل ما كان داخل القفة.تقول العجوز: “زوجي تقاعد هذا العام، ومنحته الشهرية بالكاد تمكننا من تحضير طبق الشوربة طوال شهر رمضان”.أما بائع الملابس الخاصة بالنساء، الشاب بن عثمان أحمد، فقرر “تطليق الأسماك” بالثلاث خلال الشهر المبارك، نظرا لتراجع مدخراته وما يقابله من غلاء في الأسعار “أعشق كثيرا الجنبري الذي لن يكون حاضرا على مائدة رمضان لهذا العام، فشد الحزام أصبح ضروريا، خاصة بعد إعلان الحكومة عن إجراءات تقشف في النفقات نتيجة انهيار أسعار البترول، الجميع متخوفون من المستقبل، ولذلك فالحذر مطلوب”.“عدل” أو مائدة رمضانسياسة التقشف أيضا أصبحت أكثر من ضرورة خلال الشهر الكريم بالنسبة للجزائريين الذين هم على موعد مع دفع الشطر الثاني من سكنات “عدل” والسكن الترقوي التساهمي خلال الأشهر القليلة المقبلة، على غرار شاب تزوج حديثا، التقيناه بالمركز التجاري لباب الزوار “أطباق مائدة رمضان لن تتعدى الشوربة بالدجاج والسلطة، لأنني أحرص على ادخار الشطر الثاني لسكنات عدل”.وإن كان أصحاب البحبوحة المالية محظوظين للإنفاق ببذخ في سبيل إشباع بطونهم، فالفقراء يلجأون إلى الاستدانة خلال 30 يوما من رمضان، لسد رمقهم بعد يوم طويل وشاق من الامتناع عن الأكل والشرب.التقشف سيمس أكثر العائلات الفقيرةوحسب الخبير الاقتصادي، فارس مدور، فإن ميزانية الجزائريين لن تتراجع في رمضان بالنسبة للعائلات الغنية والميسورة، عكس العائلات الفقيرة التي تصبح أكثر فقرا وسيمسها التقشف في رمضان.وأبرز مسدور موضحا “تأثرت الجزائر بما يحدث في العالم على المستوى الاقتصادي، لكن هذا لا يعني أننا أصبحنا دولة فقيرة، فمحاولات تهويل وتضخيم الموضوع من قبل الحكومة ليس لها مبرر اقتصادي بل مبررات سياسية”.واستبعد محدثنا حدوث تقشف في رمضان “ففي عز الفقر، كانت المائدة الجزائرية مملوءة، معترفا بوجود إشكال على المستوى الكلي للاقتصاد الوطني، وليس الاقتصاد العائلي”. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: