+ -

 في ليلة هادئة من ليالي الحي الشعبي المعروف بحي البيرقاي بوسط مدينة سطيف، ومع إطلاق المؤذن أولى صيحاته بالتكبير لصلاة الفجر في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك الموافق لشهر أكتوبر من سنة 2013، بدأت أصوات الأبواب العتيقة تعلن عن خروج المصلين لأداء الفريضة، خطوات متثاقلة للشيوخ وكلمات تردد من هنا وهناك، “صباح الخير عمي مبارك”، فيجيب الشيخ “نهارك مبروك يا ولدي”، كل شيء كان يوحي بيوم جديد أكثر من عادي، الكل مر بجوار مرش الحي الذي كان مقفلا، لكن وفي مقابل ذلك كله لم يكن أحد يعلم أن هناك جريمة قتل شنيعة تحاك وراء الأبواب المغلقة والأضواء الخافتة. داخل منزل قديم وذي مساحة صغيرة للغاية، لا تزال إحدى السيدات مستيقظة، غير أن همتها لم تكن للصلاة أو تحضير فطور أطفالها أو زوجها، كان الغيض يعصر قلبها والشرر يتطاير من عينها.. لم تكن ترى سوى السواد في ذلك البيت الذي عاشرت فيه زوجها أكثر من 30 سنة، قررت فجأة أن تضع حدا لهذا التقارب والتفاهم. النية كانت مبيتة بالتأكيد، فقد طلبت من أولادها عدم دخول غرفة والدهم تحت أي ظرف من الظروف، فيما طلبت من بناتها الأربع المتزوجات عدم زيارتها في أيام العيد، وهو ما استغربه الجميع؛ عيد الأضحى مناسبة لتقارب العائلة وصلة الأرحام، هل يعقل أن تحرم الأم بناتها من هذه المناسبة؟ آخر حوار بين الضحية والجانية  كان الضحية “ع. خ«، 52 سنة، معتادا على عدم العودة إلى البيت إلا في آخر النهار، يرتاد السوق اليومي بحي “لندريولي” لبيع الملابس المستعملة سابقا من أجل تحصيل دخله اليومي، زيادة على مشاويره الكثيرة إلى مصالح البلدية من أجل الاستفسار عن ملفه في السكن الريفي الذي ينتظره بفارغ الصبر، عاد كالعادة إلى المنزل دون أن يدري أنها المرة الأخيرة التي يرى فيه المكان، كانت الزوجة على أهبة الاستعداد لتنفيذ فعلتها، وكالعادة بادرته بسؤالها “وقتاش يفرّج علينا ربي ونرحلوا من هذا الحي القديم”، فالتفت الرجل إليها قائلا “أنا أعلم ماذا تعنين، تريدين بيع قطعة الأرض التي ورثتها، كي نموت بيعي كلش”، هذا الجواب سمعته الزوجة أكثر من مرة، لكن في هذه الليلة قررت عدم الاقتناع بجوابه، واستبقت ما كان يقوله الزوج قائلة في قرارة نفسها “تريد أن تموت، حسنا لك ذلك”. تخطيط ساذج وجريمة مفضوحةعكس بعض الجرائم التي كانت تقع هنا وهناك، حيث يجتهد رجال الأمن والمباحث في البحث عن القاتل، وعادة ما يتم كشف الحقيقة بعد أيام أو أسابيع، ومنها من لا تزال خيوطها معلقة إلى الآن، لكن الزوجة التي قاربت على إقفال العقد الرابع من عمرها قررت أن تتخلص من زوجها بأي شكل من الأشكال.وهو ما اعترفت به الزوجة أثناء التحقيق. وتضيف الزوجة أنها في تلك اللحظة عزمت على تنفيذ جريمتها، فوضعت قطرات من منوم قوي في الطعام، ما جعل زوجها يغط في نوم عميق، ثم شربت محتوى قارورة من العطر يبدو أنها معتادة على شربها، خاصة أن مصالح الطب الشرعي أكدت أن المتهمة تعاني من اضطرابات عقلية وعصبية عنيفة للغاية، وهو ما جعلها تدخل إلى مستشفى الأمراض العقلية بعين عباسة أكثر من مرة.المتهمة واصلت سرد الحادثة، بعد أن أقدمت على وضع المنوم في طعام الزوج الذي كان عبارة عن شربة فريك، ومباشرة قامت بتحريك رأسه ويده للتأكد من نومه، حيث تمالكت كل قواها ثم أمسكت ساطورا وانهالت ضربا على رأسه، ما أدى إلى إحداث جرح بعمق 6 سنتمترات ثم ألحقتها بثانية على مستوى الرقبة وثالثة على مستوى البطن وأخيرة على مستوى الرجل اليسرى وتتابع: “قمت بلف رأسه بواسطة كيس بلاستيكي كي أوقف النزيف، وهو ما يؤكد أن الزوجة تراجعت نوعا ما عن مواصلة الجريمة في محاولة يائسة للسيطرة على النزيف، لكنها تقول “غير أني واصلت ما عزمت عليه وطعنته في أنحاء مختلفة في جسمه، حتى خرجت أحشاؤه من بطنه”. رحلــةوإخفــــــاء الجثة وصلت الزوجة القاتلة إلى مرحلة اللاعودة.. فراش الزوجية صار يقطر دما وزوجها الذي طالمها قاسمته الفراش جثة هامدة غارقة في الدماء، بعد ذلك قامت بتغليف الجثة في ملاءة ثم وضعتها في كيس بلاستيكي. هذا الكيس الذي اشترته منذ أيام تمهيدا للجريمة، وهو ما أكده ابنها الذي ذهب لشرائه من محل قريب، غير أن الدماء كانت تتقاطر على الأرض، وخوفا من انكشاف الجريمة حذّرت الأم أبناءها من  الاقتراب من غرفة والدهم بحجة تعبه وعدم إزعاجه.  وقامت بلف الجثة مرتين بواسطة رداء أبيض، ثم قامت برميها أمام المنزل في غفلة من أبنائها.. السكون كان لا يزال يخيم على المكان ولم يرى أحد من وضع الجثة هناك، لكن هيهات هيهات، فالمثل الشعبي يقول “يا قاتل الروح وين تروح”. عاد الجيران من صلاة الفجر على الطريق نفسها، تفاجأ أحد كبار السن وقال “يا لطيف واش هذا”. اقترب من الجثة فلاحظ الدماء تقطر من كل مكان، تعالت صيحاته “لا إله إلا اللّه، يا لطيف يا لطيف”.. هرع البعض من الجيران إلى رصيف المنزل حيث رميت الجثة وأدركوا أن الأمر يتعلق بمقتل جارهم.اكتشــــــاف الجريمــــــة مباشرة بعد معرفة مصالح الأمن بوقوع الجريمة، تنقلت إلى عين المكان رفقة وكيل الجمهورية الذي توقع السيناريو منذ البداية، وأكد بأن الضحية قتلت في المنزل بعد العثور على الكثير من بقع الدم، فيما حاولت الزوجة عبثا إيهام الجميع بأن الضحية قتلت في مكان آخر ورميت أمام المنزل، فيما كان رد فعل الزوجة عنيفا للغاية أثناء محاولة اقتيادها إلى مقر الشرطة للتحقيق معها، حيث أبدت مقاومة عنيفة خاصة مع بنيتها الجسدية القوية، حيث أكدت في بداية التحقيق أنها اكتشفت خيانة زوجها مع امرأة أخرى، ما جعلها تنتقم لشرفها، غير أن الحيلة لم تقنع مصالح الأمن التي ظلت تحقق معها إلى غاية انهيارها بشكل كامل، حيث أقرت بكل تفاصيل الجريمة في ظل ذهول كامل من قِبل أفراد العائلة التي تشردت في لمح البصر.. أم في السجن ووالد مغدور تحت التراب.من جهة أخرى، أوردت مصالح مطلعة أن المتهمة ظلت تعاني من اضطرابات عقلية حادة جعلتها تدخل مستشفى الأمراض العصبية بوادي العثمانية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: