+ -

 اعلم أنّ أشدّ أنواع الصّبر والمجاهدة، كفّ الباطن من حديث النّفس وإنّما يشتدّ ذلك على مَن تفرّغ واعتزل، فإنّ الوساوس لا تزال تجاذبه، ولا علاج لهذا إلا قطع العلائق، وجعل الهمّ همًّا واحدًا، وصرف الفكر إلى ملكوت السّموات والأرض وعجائب صنع الله تعالى، وجميع أبواب معرفة الله تعالى، حتّى إذا استولى ذلك على قلبه، دفع اشتغاله مجاذبة الشّيطان ووساوسه، وإن لم يكن له سير الباطن فلا ينجيه إلاّ الأوراد المتواصلة من القراءة والأذكار والصّلوات، ويحتاج مع ذلك إلى تكليف القلب الحضور فإنّ الفكر الباطن هو الّذي يستغرق القلب دون الأوراد الظّاهرة، فهذا الّذي يمكن أن ينال بالاكتساب والجهد.فأمّا مقادير ما ينكشف، ومبالغ ما يرد من لطف الله تعالى من الأحوال والأعمال، فذلك يجري مجرى الصّيد، وهو بحسب الرّزق فقد يقلّ الجهد ويكثر الصّيد، وقد يطول الجهد ويقلّ الصّيد والمعول وراء هذا الاجتهاد على جذبه من جذبات الرّحمن عزّ وجلّ فإنّها توازي أعمال الثّقلين، وليس ذلك إلى اختيار العبد بل اختياره أن يتعرّض لتلك الجذبة بأن يقلع عن قلبه جواذب الدّنيا. فإنّ المجذوب إلى أسفل سافلين لا يجذب إلى أعلى علّيين وكلّ منهوم بالدّنيا هو منجذب إليها. فقطع العلائق الجاذبة هو المراد بقوله صلّى الله عليه وسلّم في حديث أخرجه الطبراني: “إنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات ألاَ فتعرّضوا لها”.فعلينا إذًا تفريغ المحل والانتظار لنزول رحمة الله تعالى عليه.. فإذا طهر العبد قلبه من حشيش الشّهوات وبذر فيه بذر الإرادة والإخلاص وعرضه لمهاب رياح الرّحمة، حقّ له أن ينتظر تلك النّفخات في الأوقات الشّريفة وعند اجتماع الهمم ونشاط القلوب كيوم عرفة ويوم الجمعة وفي رمضان، ونحن بصدد هذه الشّهر الكريم، فلا تفوتنا نفحاته وبركاته.. والهمم والأنفاس أسباب لاستدرار رحمة الله تعالى بحكمته وتقديره.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات