{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ..}

+ -

 هذا التّحذير الرّبانيّ جاء في موضعين من القرآن الكريم، وهو وارد أساسًا في المكذّبين من الكفّار، ولكنّه على عادة القرآن من ضرب المثال بالكفّار المكذّبين؛ ليعتبر بحالهم ومآلهم المؤمنون المصدّقون، فهو تهديد ووعيد للكافرين والظّالمين والمجرمين والمسرفين والعاصين.. قال الله جلّت صفاته: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}، وقال عزّت قدرته: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}. والاستدراج هو الأخذ بالتّدريج منزلة بعد منزلة،  والمعنى سنستدنيهم قليلاً قليلاً إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ما يراد بهم. وذلك أن يواتر الله نعمه عليهم مع انهماكهم في الغيّ، فكلّما جدّد عليهم نعمة، ازدادوا بطرًا وجدّدوا معصية، حتّى يأتيهم العذاب أو تحلّ ساعتهم. وأمهل لهؤلاء المكذّبين المستدرجين في العمر، وأمدّ لهم في أسباب الحياة الرغدة، إنّ كيدي شديد متين قويّ شديد لا يدافع بقوّة ولا بحيلة.يقول صاحب الظّلال: “وإنّ شأن المكذّبين، وأهل الأرض أجمعين، لأهون وأصغر من أن يدبر الله لهم هذه التّدابير.. ولكنّه سبحانه يحذّرهم نفسه ليدركوا أنفسهم قبل فوات الأوان. وليعلموا أنّ الأمان الظّاهر الّذي يدعه لهم هو الفخّ الّذي يقعون فيه وهم غارّون. وأنّ إمهالَهم على الظّلم والبغي والإعراض والضّلال هو استدراج لهم إلى أسوأ مصير؛ وأنّه تدبير من الله ليحملوا أوزارهم كاملة، ويأتوا إلى الموقف مثقلين بالذّنوب، مستحقّين للخزي والرّهق والتّعذيب..وليس أكبر من التّحذير، وكشف الاستدراج والتّدبير، عدلاً ولا رحمة. والله سبحانه يقدّم لأعدائه وأعداء دينه ورسوله عدله ورحمته في هذا التّحذير وذلك النّذير. وهم بعد ذلك وما يختارون لأنفسهم، فقد كشف القناع ووضحت الأمور!. إنّه سبحانه يمهل ولا يهمل. ويملي للظّالم حتّى إذا أخذه لم يفلته. وهو هنا يكشف عن طريقته وعن سنّته الّتي قدّرها بمشيئته. ويقول لرسوله صلّى الله عليه وسلّم ذرني ومن يكذّب بهذا الحديث، وخلّ بيني وبين المعتزين بالمال والبنين والجاه والسّلطان. فسأملي لهم، واجعل هذه النّعمة فخّهم! فيطمئن رسوله، ويحذّر أعداءه.. ثمّ يدعهم لذلك التّهديد الرّعيب!”. *إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات