مريضات السرطان يتقاسمن الوجع وفرحة الإفطار

+ -

هن نسوة من مختلف الأعمار من بينهن صغيرة لا يتجاوز عمرها 14 سنة، التقيناهن بدار “الأمل” بالعاصمة في يوم رمضاني.. أيام كان بودّهن لو قضينها وسط العائلة لكن للضرورة أحكاما، وضرورة الموقف مع هؤلاء النسوة حاجتهن لعلاج خاص بداء نخر أجسادهن، فاضطررن أن يجتمعن بتلك الدار فكان التآزر سمتهن الغالبة من منطلق “إذا عمّت المصيبة هانت”. نصيرة، حورية، وريدة وعائشة نسوة من مختلف الأعمار عاث داء السرطان الخبيث فسادا في أجسادهن الغضة، جئن من مختلف أنحاء الوطن طلبا لعلاج ثقيل أجبرن من أجل تلقيه على التنقل إلى الجزائر العاصمة، ليحرمن من أجواء شهر الصيام وسط عائلاتهن ولكل حكايتها مع المعاناة.“لم أترك يوما بيتي واليوم أهجره لأكثر من شهر”نصيرة، 48 سنة، قادمة من إحدى مداشر ولاية تيزي وزو، بريق جمالها الفائق طغت عليه مسحة حزن كبير، كيف لا وهي التي ابتليت بسرطان المخ الذي لم تسمع عنه يوما في حياتها البسيطة بساطة المنطقة التي تقطنها، لتمرّ عبر أصعب فترة في حياتها مثّلتها مسيرة علاج ثقيل وطويل مشواره، انطلاقا من التحاليل والأشعة التي كشفت عن الداء والتي تبعتها جراحة دقيقة ثم حصص علاج كيميائي ثقيل، واليوم تخضع نصيرة لعلاج إشعاعي بمركز بيار وماري كوري بالجزائر العاصمة، اضطرها أن تتواجد بالجزائر العاصمة طيلة الـ25 يوما متتالية للعلاج، لتجد في دار “الأمل “ في حي بلوزداد بالعاصمة ملاذها الوحيد، خاصة أنه لا قريب لها بالعاصمة، وهي التي لم يسبق لها أن تركت يوما دشرتها حيث شهدت قائلة “لم أترك يوما بيتي وأبنائي الثلاثة وكنت حينما أزور أهلي بنفس الدشرة لا تتعدى زيارتي لهم الساعات.. واليوم وجدت نفسي مجبرة على تمضية شهر كامل بعيدا عنهم، لكنني مجبرة وصحتي أولى من كل شيء”.حورية القادمة من منطقة الناصرية بولاية تيزي وزو أم لـ6 أبناء، أصيبت بسرطان الثدي واليوم تخضع للعلاج الإشعاعي الذي قصدت من أجله الجزائر العاصمة منذ 24 ماي المنصرم، وكان من المفروض أن تنهي العلاج ذاته قبل انقضاء شهر جوان الماضي، لكن تعطّل ماكينة الأشعة بمركز بيار وماري كوري حال دون إتمام علاجها في الوقت المحدد، لتجد نفسها مجبرة على قضاء مدة أطول بعيدا عن بيتها وأولادها “تصوروا أن عرس ابنتي أياما بعد عيد الفطر ولم أشرف على أي تحضيرات، رغم أنني برمجت أمورا كثيرة لفرح أفضل بناتي.. لكن المرض كان أسبق”.تقولها بمرارة ماسحة دمعات ألم تدحرجت على خدّيها، مشيرة إلى أن تواجدها مع مريضات مثلها بدار “الأمل” التي جمعتهن في هذه الأيام المباركة، خفّف من وقع الأمور “خاصة أن المشرفين على الدار يسعون جاهدين إلى توفير جو عائلي خلال رمضان لتعويضنا عن حرماننا من الأهل والأبناء”. إن تقاسم آلام مرض من نوع خاص جعل من تجمّع أولئك النسوة خلال سهرات رمضان من أجل السمر، جلسات علاج نفسي رائع ومفيد نظرا لأن تبادل الشكوى والبوح بالآلام ذاتها يخفف من وقع المعاناة، وهو ما شهدت به تلك النسوة، ومن بينهن وريدة التي خضعت لبتر ثدييها الاثنين، لكن إيمانها بقضاء الله وقدره وأملها في الشفاء كانا فوق كل اعتبار، خاصة أنها لقيت مؤازرة كبيرة من قبل زوجها الذي ساعدها على تجاوز محنتها.حلم كبير لصغيرة من نوع خاصولعل ما أضفى على دار مريضات السرطان بحي بلكور الشعبي حركة غير عادية تلك الروح المرحة لـ”فايزة”.. صغيرة لم تتجاوز الـ14 عاما قدمت من قصر البخاري بولاية المدية، لم تقدر شدة تأثير العلاج الكيميائي الذي خضعت له منذ فترة على طمس معالم جمالها الطفولي الرائع، حتى أنها ردت علينا بضحكة رائعة شابها قليل من الحياء حينما أطرينا على جمالها الملحوظ.. صغيرة أصابها الداء الخبيث في العظم فبترت بسببه ساقها اليمنى منذ سنة ونصف.. لكن ذلك لم يقعدها عن النشاط، فكانت بلسم نسوة دار “الأمل” التي ترددت عبر ردهاتها ضحكاتها البريئة.. حدثتنا فايزة عن سهرات رمضان التي تمضيها رفقة نزيلات الدار، وبحضور صينية الشاي وقلب اللوز وحلويات من مختلف الأنواع.كما حدثتنا عن تعلّقها بتبادل الأحاديث عبر “الفايس بوك” مع صديقات الدراسة اللواتي اشتاقت لهن، مشيرة إلى أن ما يجعلها تتحمل ثقل العلاج الإشعاعي الذي تخضع لها حاليا هو أملها في الشفاء والعودة إلى مقاعد الدراسة، خاصة أن محبوبة دار “الأمل” تصبو لأن تكون محامية في المستقبل. ولم تفوّت الصغيرة الفرصة ونحن نودعها أن تطلب منا التواصل معها عبر “الفايس بوك”، حيث أمدتنا بعنوان حسابها، لنتركها واعدين إياها بإرسال دعوة انضمام لها لتكون أصغر صديقة لنا عبر “الفايس بوك”.ذلك مسار أيام رمضانية تعيشها مريضات دار “الأمل” رفقة من يشرف على خدمتهن هناك، خاصة “نبيلة” التي تتولى تحضير وجباتهن، التي شهدن على تفانيها في تلبية طلباتهن من خلال طبخ أشهى المأكولات، بعيدا عن الأهل والأبناء.. ويبقى دافعهن الوحيد لاجتياز محنهن هو الشفاء والرجوع إلى أحضان عائلاتهن.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات