+ -

مع انقضاء كل دورة برلمانية، يزيد الاقتناع بأن المؤسسة التشريعية في الجزائر، أضحت مصابة بهزال مزمن من حيث الأداء، يجعل وجودها من عدمها في التأثير على مجريات الأحداث سواءً، ولولا مداخلات “كاريكاتورية” يلقيها عدد من النواب في قبة البرلمان وتحظى بالمتابعة والتداول على مواقع الأنترنت، لكانت هذه المؤسسة قد زالت تماما من المشهد العام للجزائريين.لم تعلق بالأذهان خلال دورة ربيعية كاملة امتدت على مدار 4 أشهر، جلسة مناقشة كرست الدور الحقيقي للبرلمان بغرفتيه في إثراء القوانين ومعارضتها ومساءلة أعضاء الحكومة وإحراجهم أمام الرأي العام أو الظهور بمظهر السلطة المستقلة وأحيانا المضادة، حتى وإن كانت الحكومة تتمتع بمساندة الأغلبية، لكون النائب في كل البرلمانات الديمقراطية لا يشعر بالمسؤولية سوى من الذين انتخبوه.وخلافا لكل ذلك، لم يعد المجلس الشعبي الوطني في ظل حالة “الموات” التي تميز مجلس الأمة، يستدعى للواجهة إلا لأغراض التندر والسخرية، مما يرد على لسان برلمانيين يتمتعون بحس الفكاهة ويجدون ضالتهم خلال جلسات المناقشة في تقريع هذا الوزير أو ذاك، بأسلوب هزلي لا يلبث أن يصير متداولا على أوسع نطاق في مواقع التواصل الاجتماعي، مشفوعا بالتعليقات الساخرة، في مشهد شبيه بـ”كوميديا سوداء” تروي الحال الذي وصلت إليه ما يفترض أنها السلطة الثانية في البلاد.فلم يكن الجزائريون ليعلموا أن وزير التجارة عمارة بن يونس موجودا في قبة البرلمان لمناقشة مشروع قانون القواعد العامة للاستيراد والتصدير، لولا تلك المداخلة “المجنونة” للنائب طاهر ميسوم التي جلب فيها أكياس التراب ومناديل القطط ومأكولاتهم التي يتم استيرادها بالعملة الصعبة كأحد أوجه تبذير العملة الصعبة، كما قال. ورغم حساسية هذا الموضوع من الناحية الاقتصادية في هذا الظرف بالذات، إلا أن طرافة المداخلة وتشرذم أفكارها وترديد النائب الغريب لكلمة “سبيسيفيك”، أغفل الحديث عن مشروع القانون برمته، بل جعل من الوزير والنائب مادة دسمة للسخرية على مواقع الأنترنت. وعلى نفس المنوال، صارت مداخلات النائب حبيب زقاد، تحظى بمتابعة واسعة لما فيها من “شو” دائم بينه وبين رئيس المجلس الشعبي الوطني، العربي ولد خليفة، ولولا ذلك لما جرى تداولها رغم أن صاحبها يتمتع بجرأة عالية في انتقاد النظام.هذا التدني الذي يميز عمل البرلمان بغرفتيه، يرجعه النائب المستقيل، مصطفى بوشاشي، إلى “غياب نواب الشعب عن أداء دورهم الرقابي والتشريعي المنوط بهم، والأسباب في ذلك متعددة أبرزها أن مركزية صناعة القوائم في الأحزاب خاصة تلك المحسوبة على الموالاة، جعلت من النائب يشعر أن ولاءه للحزب فقط دون الشعب الذي انتخبه”. أما نواب المعارضة وفق المحامي والناشط السياسي، فتراجع دورهم بالنظر إلى شعورهم باليأس من إمكانية القيام بدورهم، إذ يتم تعطيل كل مقترحات القوانين التي يقدمونها أو لجان التحقيق التي يطلبونها من مكتب المجلس الذي صار أداة لخدمة مشاريع الحكومة. وقال بوشاشي إن ضعف المؤسسة التشريعية لا يمكن النظر إليه بعيدا عن النظام التسلطي الذي ينشط فيه. وبرأيه فإن تركيبة النظام القائم لا تسمح بظهور مؤسسات حقيقية بل مجرد أدوات لفرض تسلطه وديمومته.وعاد بوشاشي الذي انتخب كنائب عن جبهة القوى الاشتراكية، إلى واقعة استقالته من البرلمان سنة 2014، معتبرا أنه “لم يكن ممكنا الاستمرار في مؤسسة لا تقوم بأي دور لأن في ذلك منحها مصداقية لا تستحقها”. لكن سلوك بوشاشي ظل فرديا ولم يحتذ به باقي نواب المعارضة الذين يقترب عددهم من المائة رغم اتفاق معظمهم على نفس المعاينة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات