"المجتمع يعاني من مخاطبته بلغة لا يفهمها"

+ -

 يعتبر الأستاذ عبد اللّه ذراع أنه لا يمكن فصل إشكالية ازدواجية اللغة عند وزرائنا بالخصوص عن المشهد السياسي واللغوي العام في البلاد، حيث يطغى الحديث باللغة الفرنسية وتغيب اللغة الوطنية في عملية التواصل بين الحاكم والمحكوم وبين الرئيس والمرؤوس، ما نتج عنه الكثير من مظاهر التذمر والإحباط والتباعد والسلبية والانهزامية لدى عامة الشعب، التي تعجز عن فهم ما يدور في فكر المسؤول، وتفشل في استيعاب ما يريده منهم، وما يسعى المسؤول ذاته إلى تحقيقه وإنجازه على أرض الواقع.ويضيف الأستاذ أن مشكل اللغة في الخطاب السياسي الجزائري طرح منذ السنوات الأولى من الاستقلال، ولم تفلح كل المحاولات الرامية إلى تصحيح الخلل اللغوي الناجم عن عوامل تاريخية ذات علاقة مباشرة بالاستعمار، وسياسية نتيجة غياب الإرادة الناجعة والفعالة في تغيير الواقع المختل الذي طغى على الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للبلاد، “ولذلك تكرس هذا الوضع مع مرور السنوات، وتجذر منطق الحديث إلى الشعب بلغة لا يعرفها ولا يفهمها، ما انعكس سلبا على العلاقة المفترض أن تكون طبيعية وسلسة بين المسؤول التنفيذي بالخصوص، ونقصد به هنا الوزير، وبين المتلقي، وهو المواطن البسيط”. ويؤكد الأستاذ أن سوء العلاقة أو غيابها بالمطلق بين الوزير والمواطن يعود بالدرجة الأولى إلى هذه المشكلة المزمنة، المتمثلة في ازدواجية اللغة المستعملة من قِبل المسؤول السياسي والتنفيذي، “بل إن الازدواجية هنا غير موجودة على الإطلاق، على اعتبار أن اللغة الوحيدة تقريبا للتعامل والتواصل هي اللغة الفرنسية، وهي لغة أولا أجنبية، وثانيا لم يعد يفهمها قطاع واسع من فئات المجتمع الجزائري. وطبيعي جدا أن مثل هذا الوضع سيؤدي إلى أزمة في التواصل وفي الثقة وفي التعاون على أداء المهام الكبرى المنوطة بكل فرد من أفراد المجتمع، ما يشل الحركة السياسية والتنموية بشكل عام، ويعرّض النسيج الاجتماعي للتفكك والتحلل، وبالتالي تفوت على البلاد فرص حقيقية للنهضة والإقلاع والتطور”.ويشير الأستاذ: “لا أنسى أبدا ذلك الدرس الكبير الذي تلقاه بعض الجزائريين المشرفين على عقد المؤتمرات وتوقيع الاتفاقيات الدولية المختلفة، بسبب تلك الحادثة التي تناقلتها معظم الجرائد والصحف الوطنية والتي مفادها: “أن أحد المتدخلين الإيطاليين في مؤتمر دولي عقد في الجزائر، وأثناء إلقائه لمداخلته باللغة الإيطالية- كونه يحب لغته ويقدسها- لاحظ أن المترجم يترجم مداخلته إلى اللغة الفرنسية، حينئذ توقف عن إلقاء محاضرته وطالب المشرفين على تنظيم ذلك المؤتمر ترجمة مداخلته إلى اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية في الجزائر المستقلة”، ما أحدث إحراجا للمشرفين على تنظيم هذا الملتقى. إن المجتمع يعاني من أزمة مزمنة اسمها عدم قدرة الوزير والسياسي على مخاطبة المجتمع باللغة التي يفهمها، وهي بكل تأكيد لغته الوطنية والرسمية، وإن هذه المشكلة خلفت آثار نفسية واجتماعية وسياسية مدمرة، ليس أقلها ذلك الإحباط والسلبية لدى المواطن، وانعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم، وتضييع فرص تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي حلم بها شهداؤنا الأبرار، وتطلع إليها كافة أطياف المجتمع منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: