السدود والبرك تقتل الأطفال كل صيف في بشار

+ -

 يفتح مواطنو ولاية بشار أقواسا عريضة من التساؤلات عن سبب حرمان ولايتهم، التي يفترض أن مساحتها ضعف مساحة المملكة الأردنية الهاشمية، من مشاريع “مسابح جوارية”، أما ما لم يجد له المواطنون تفسيرا هو لماذا طال الحرمان من المسابح حتى التي يفترض أن من يقطنها هم “أصدقاء فخامة رئيس الجمهورية”.ترافق إعداد هذا الملف مع موجة غضب عارمة تسود ولاية بشار وسكانها الذين فجعوا خلال أسبوع واحد في ثلاثة شبان وطفلين، وهي موجة الغضب التي حملت شحنات سخط شعبي لم يجد لها المواطنون سبيلا للتعبير إلا “الفايسبوك”، على اعتبار أن منتخبي ولاية البرلمان بغرفتيه “شهود مشافوش حاجة”، أما بالنسبة لمنتخبي المجلس الولائي فمديرية الشباب والرياضة معروف تمتعها بحصانة لا يجرؤ منتخب على الحديث عنها ولو مدحا، على اعتبار أن مديرها الحالي يوصف بـ«الطفل المدلل”، و إزعاجه هو إزعاج للوالي السابق المحول في الحركة الأخيرة لولاية باتنة.المسابح إما معدومة أو معطلة أو مشاريع متوقفةكشف مصدر موثوق من مديرية الشباب والرياضة أن حلقات مسلسل “مهازل المسابح بولاية بشار” لا تقف عند أن المسابح معدومة في 17 بلدية فقط، بل هي مشاريع متوقفة كما الحال في بلديتي لواتة والعبادلة، أما المسابح النشيطة في بلديتي بني عباس فتوقفها عن النشاط لأيام أمر لا خلاف فيه، والحجة المتكررة دائما هو “تعطل المضخات” أو “ترميم التشققات”.ولا يتوقف هذا المتحدث عن سرد “مهازل المسابح” فيقول مثلا إن مسبحي بلدية عاصمة الولاية اللذين يكثر تصويرهما على شاشة اليتيمة لا يجري تنظيفهما وفق المعايير الصحية والعالمية المعروفة، وهو أمر يقول هذا المتحدث إن مسؤولي قطاع الرياضة لا يستطيعون إنكاره، لأن هذا القطاع ببساطة تحول إلى “قطاع ملاعب الماتيكو” التي تكاثرت بالولاية.ولم يجد من ناقشت معهم “الخبر” هذا الموضوع تفسيرا لتوقف مشروع مسبحي لواتة والعبادلة لأكثر من ثلاث سنوات، ولماذا لم يتحرك أحد لإثارة هذا الموضوع. وهنا تجد السلطات الولائية في صمت المنتخبين عن المطالبة بهذا الأمر وتغاضيهم عن إثارته، مبررا في أن استجابتها تكون وفق ما يقدمه المنتخبون من طلبات لا تخرج عن دائرة ما يوصف بـ«المجالات الحيوية ذات الأهمية القصوى” والممثلة في التهيئة العمرانية والسكن والري والكهرباء والصحة.مناطق “أصدقاء رئيس الجمهورية” محرومة من المسابحلم يبادر مسؤولو قطاع الشباب والرياضة ولا من يراقبهم بولاية بشار أو حتى على مستوى مركزي لبرمجة مشاريع مسابح على الأقل في المناطق التي يفترض أن من يقطنها هم “أصدقاء فخامة رئيس الجمهورية”، فمثلا بلديات دوائر كرزاز وبني ونيف والقنادسة لا يوجد بها “مسبح جواري”، ما يعني أن حتى “التزلف لأصدقاء رئيس الجمهورية” غاب عن تفكير ومخططات القائمين على قطاع الشباب والرياضة.وهو مشهد مؤسف يفترض الوقوف عنده والتوقف عند الأسباب وراء بقاء فكرة “إنجاز مسابح” في ذيل اهتمامات المسؤولين والمنتخبين على اختلاف مستوياتهم، وما الذي يمنع على الأقل من برمجة 10 مسابح في دوائر الولاية، حتى لا يرفع المواطنون سقف طمعهم ويطالبوا بمسبح في كل بلدية، والأغرب من هذا لماذا لم تجعل السلطات المحلية والمركزية هذا الموضوع نصب اهتمامها، مادام الأمر مدرجا ضمن الاهتمام بمناطق “الجنوب”؟العرسان والجنود والأطفال ضحايا السدود والبركيحتفظ سكان بولاية بشار بذكريات مؤلمة ومفجعة لعشرات الأعراس التي تحولت إلى مآتم، إلى جانب جنود الثكنات الذين أرسلوا إلى أهاليهم في توابيت بعد أن ابتلعتهم مياه السدود أو السواقي أو البرك، أما الأطفال فأخبار غرقهم تحولت إلى حدث عادي لا يستنفر أحد إلا أعوان الحماية الذين يتدخلون لانتشال جثثهم.فالسدود تتحول إلى قبلة العرسان، سيما فيما يعرف بخرجة اليوم الثالث بعد الزفاف وهي العادة التي لا تزال قائمة إلى غاية يومنا هذا بمنطقة بشار، حيث يقضي العريس رفقة زملائه نهارا كاملا، وتلذ أنفسهم بأشهى الأطايب ومختلف أنواع الطعام، وهي العادة التي يصطلح عليها ومحليا بـ«المقيل”، أما تحولها لمأتم في حال غرق العريس أو من رافقه فهو طبعا عادي في نظر المسؤولين والمنتخبين.البشاريون يحوّلون محيطات السدود إلى شواطئفرضت الحرارة المرتفعة التي تعرفها ولاية بشار على سكانها أن يحولوا تلك العزلة المطبقة على السدود طول السنة إلى حركة كثيفة بهذه السدود، فمشاهد الشمسيات وكذا صنارات صيد الأسماك والسباحة بمختلف فنونها تجعلك حقا تشعر بأنك متواجد على شاطئ البحر. ومن استجوبتهم “الخبر” تتفق إجابتهم على أن مجيئهم يوميا أو أسبوعيا للسدود هو للصيد وللسباحة، وعند سؤالهم عن السبب يقولون بأنهم يقومون بذلك بدافع الهواية والتخفيف من وقع الحرارة الشديدة وأعباء العمل اليومية، بعد أن صارت السدود المتنفس الوحيد للترفيه عن العائلات البشارية من ضغوط وأعباء الحياة اليومية، وفي ظل عدم وجود مسابح.ويكثـر لجوء السكان إليها في هذه الفترة، خصوصا مع كثـرة الأفراح التي يقضي فيها العرسان ما يصطلح عليه في الولاية بـ«المقيل”، إلا أن موسم الصيف يشهد سنويا حالات غرق كثيرة، يكون ضحاياها من الأطفال وبعض الشباب الذين يؤدون الخدمة الوطنية في هذه المناطق، وقد ساعد على هذه السلوكات انعدام مرافق السباحة فلا يجد الشباب والأطفال من متنفس سوى البرك والوديان مع ما يحمله ذلك من أخطار، ما يجعل الأولياء يعيشون هاجس الخوف من غرق أبنائهم مع حلول كل صيف، هذا وإن كان يجري الحديث عن تسجيل مشاريع خاصة لبناء مركبات رياضية ومسابح ببعض بلديات هذه الدائرة وفي دوائر أخرى، إلا أن تأخرها جعل الأطفال والشباب يقصدون هذه الأماكن على خطورتها للاستمتاع بمياهها “غير الصحية”.مطالب بتفعيل الحراسة على السدود وتحويلها إلى مرافق ترفيهلحد كتابة هذه الأسطر لاتزال طلبات المواطنين قائمة إزاء تفعيل الرقابة على السباحة في سدي جرف التربة وحاسي منونات وعدد البرك المائية سواء المجاورة له أو البعيدة عنها، التي يكثـر لجوء السكان إليها في هذه الصائفة، خاصة هذه الأيام التي تسجل فيها درجة الحرارة أرقاما غير معهودة.ويعتبر من تحدثوا لـ«الخبر” أن هذا الواقع بات يفرض على الجهات الرسمية التدخل لوضع حد تجاه تكرار حوادث الغرق من جهة، وكذا الاهتمام بهذه السدود وترقية محيطاتها إلى مراكز ترفيه عائلية، عبر استغلال قسم منه كمسبح أو مجمع عائلي، لتمكين العائلات من قضاء أوقات الفراغ القاتلة خصوصا في هذا الفصل، سيما أن المقومات السياحية التي تزخر بها المواقع المحيطة بسدي القنادسة والعبادلة، اللذين تفوق طاقتهما الاستعابية 400 مليون متر مكعب من المياه وتحيط بهما آلاف الهكتارات من المساحات الخصبة التي تحتوي على أشجار كثيفة، التي يمكن تحويلها إلى أقطاب سياحية من شأنها أن تفتح أبواب الاستثمار في السياحة الصحراوية في هذه المناطق.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: