"السلطة ترفض دخول المنظمة خوفا من الشفافية"

+ -

 يعتقد جيلالي سفيان، رئيس حزب جيل جديد المعارض، أن دخول الجزائر إلى المنظمة العالمية للتجارية ستكون عواقبه كارثية على القطاعات المنتجة في البلاد مستقبلا. ويشير سفيان، الذي يجمع بين خلفية سياسية واقتصادية في هذا الموضوع، إلى أن النظام في الجزائر يفضل أن يتنازل عن كل الامتيازات الاقتصادية للدول العظمى دون أن ينضم للمنظمة العالمية للتجارة، لأن في دخولها إجبارا له على اعتماد الشفافية في التسيير والصفقات العمومية، وهو ما لا يريده.هل الدخول إلى المنظمة العالمية للتجارة مناسب للجزائر حاليا في اعتقادكم؟ منظمة التجارة العالمية هي فضاء للتبادل التجاري الحر، يمكن لأي عضو فيه التفاوض حول مصالحه مع باقي الدول والتكتلات الاقتصادية قبل الانضمام، وعندما ترسو المفاوضات على الاتفاق، يسمح هذا العقد بتخفيض أو إزالة الرسوم الجمركية على السلع المتفق عليها. وبهذا يظهر جليا أن الدخول لمنظمة التجارة العالمية يكون دائما في صالح الدول التي تمتلك اقتصادا منتجا تستطيع على أساسه الدخول في المفاوضات من منطلق قوة. والجزائر في خضم ذلك ليست بلدا ضعيفا من حيث الإنتاج فحسب، بل لا يمكنه المنافسة على أي سلعة أخرى عدا البترول، وهذا ما يجعل دخوله في المنظمة خاسرا على طول الخط.لكن هل الانضمام إلى “أو أم سي” قرار سياسي أم اقتصادي ؟ منظمة التجارة العالمية فضاء معولم، والجزائر تأخرت في اللحاق بركب العولمة في التسعينات وحتى الثمانينات لظروف سياسية واقتصادية كانت قاهرة، ولم تستطع إذاك الانضمام إلى منظمة “الغات” التي تحولت فيما بعد إلى “أو أم سي”. عندما يجلس المفاوض الجزائري على طاولة المفاوضات ماذا بوسعه أن يقول؟ ما هي نقاط القوة التي يمكن أن يقاوم بها مكامن الضعف؟ ببساطة لا شيء. المفاوض الجزائري يقال له نريد منكم أن تزيلوا الحواجز الجمركية أمام سلعنا ومنتوجاتنا، بينما هو لا يفرق معه في شيء إزالتها للسلع الجزائرية العاجزة، إن وجدت، عن تخطي الموانئ الجزائرية، ما لديه فقط هو التفاوض على إدخال المواد البترولية دون حواجز، وهذا لن يجد فيه عسرا لأن البترول سلعة استراتيجية مطلوبة ولا يمكن لأي بلد في العالم الاستغناء عنها. التفاوض يفترض دائما نوعا من التوازن بين الطرفين، وفي الحالة الجزائرية الكفة مائلة بمسافة بعيدة لصالح الغير، وفي حال قررت الجزائر الدخول إلى المنظمة فالقرار سيكون سياسيا بحتا.الدخول إلى المنظمة ربما يحفز الإنتاج الوطني ويدفعه للمنافسة.. ما رأيكم في هذا التبرير؟ قد يكون للدخول إلى منظمة التجارة العالمية بعض الإيجابيات، فهو يحفز الناتج المحلي الخام للدول المنتجة التي تحصل بدخولها للمنظمة على أسواق جديدة، كما هو حال الصين وغيرها من الدول الصاعدة، وهذه الدول لديها من اليد العاملة وفوائض الإنتاج والقدرة على المنافسة ما يجعلها تقتحم أسواق دول عظمى دون أدنى إشكال. أما الدول ذات المورد الوحيد والتي لها عوائق في الإنتاج المحلي خاصة في الجانبين الصناعي والفلاحي، فإن دخولها للمنظمة يجعلها تغرق في بحر التجارة العالمية المتحرك والهائج، والذي لا يتقن السباحة فيه إلا الكبار. الجزائر في هذا الصف من الدول، ودخولها سيقتل ما تبقى من شبه إنتاج محلي، وهي ليست مستعدة اليوم فقط ولكن على المدى المتوسط أيضا، فلا توجد أي خطة أو استراتيجية للنهوض بالصناعات التحويلية وتطوير الزراعة، وهذا ما يجعلنا غير مؤهلين على الأقل 15 سنة أخرى. ما هي المخاوف التي لديكم كمعارضة من اتخاذ قرار الدخول إلى المنظمة؟التخوف الأكبر هو أن يربطنا النظام الحالي بعقود دولية أخرى.. ندرك جيدا اليوم كيف أن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم يكن في صالحنا، وتبين أنه كان في النهاية مفروضا من الاتحاد الأوروبي لقاء مساومات سياسية جاءت بعد إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة سنة 2004، وبالتالي غاب التفاوض الذي يحفظ حقوق الطرف الجزائري، وبتنا اليوم نتكبد خسائر بـ8 مليار دولار باعتراف السلطات الرسمية جراء هذا الاتفاق، ويصر الطرف الجزائري، رغم ذلك، على عدم طلب إعادة التفاوض بشأنه، غير مبال بعواقبه الكارثية على الاقتصاد الوطني. من يكبح جماح النهوض بالاقتصاد الوطني وتطوير القطاعات المنتجة؟ثمة منطق غريب في الجزائر يعاقب كل محاولة للنهوض بالإنتاج الوطني، ويجشع في المقابل الاستيراد والربح السهل أمام فئة منتفعة على حساب عموم الشعب الذي يتخبط في مستوى معيشي سيئ. وإلا كيف نفسر أن استيراد المواد الأولية من أجل صناعة الدواء، مثلا، تطبق عليه رسوم جمركية بـ25 بالمائة والرسم على القيمة المضافة بـ17 بالمائة، بينما يعفى الدواء المستورد جاهزا من كل الرسوم عندما يأتي من الاتحاد الأوروبي. هناك توجه واضح في الجزائر لتحويلها إلى سوق مفتوحة على كل خردوات العالم وإبقائها في المقابل حلقة ضعيفة في التجارة العالمية.لكن تأخر الجزائر في الدخول للمنظمة يعطي الانطباع بأن السلطة رافضة لذلك. ما هي الأسباب في ظنكم؟ لا يريدون للمؤسسات العالمية أن تتدخل في التسيير القانوني لكل الصفقات الداخلية والخارجية التي تقوم بها السلطة، لأن الدخول في المنظمة العالمية للتجارة، رغم كل سلبياته، إلا أنه يفرض على الدول الأعضاء شفافية في التسيير. مشكلة الجزائر أن نظامها الحاكم قدم كل الامتيازات السلبية للأجانب حتى وهي خارج المنظمة، ورفض الانضمام حتى يبقي نمط التسيير الحالي الذي يشوبه الفساد. هذا يجعلني أقول إن الدخول للمنظمة العالمية للتجارة لن يغير من واقع الاقتصاد الجزائري الحالي المفتوح بكثافة على الاستيراد، لكنه سيرهن في المقابل أي محولة للنهوض بالإنتاج الوطني، بعد أن يتغير النظام وتعتمد استراتيجية اقتصادية جديدة، لأننا سنكون حينها ملزمين بالاتفاقيات الموقع عليها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: