38serv

+ -

 يمكن تشبيه ما يتخبط فيه النظام الجزائري اليوم، بعد 15 سنة من حكم الرئيس بوتفليقة، وبعد أول أزمة بترولية  في 1986، وبعد العشرية السوداء وكل الوعود والبرامج التي وضعها (إن وجدت)، بقصة “الراعي وجرة السمن” الرائعة التي تقدم لنا صورة عن الفرق بين أحلام اليقظة والواقع، والاجتهاد بالعمل الفعلي بدل التوهم والحلم، وملخصها أن راعٍ جمع السمن في جرة معلقة في كوخه. وجلس متكئا على عصاه، وسرح بعيدا في أحلامه فقال في نفسه :سأبيع الجرة وأشتري بثمنها نعجة حاملا، فتضع لي نعجة أخرى، ثم تكبر وتلد، وهكذا إلى أن يصير عندي قطيع، ثم أتزوج وألد صبيا.. فإن لم يطعني ضربته بهذه العصا، فكسر الجرة وذابت أحلامه مع السمن. لكن للأسف هذا النظام ما زال يعيش الحكاية والحلم، رغم أن كل شيء ينكسر فوق رأسه شيئا فشيء، فالمتتبع نشرة الثامنة أول أمس يتمنى، كما كتب شاب يوما على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، “أحلم بالعيش في الجزائر التي تتحدث عنها نشرة الثامنة”، خاصة بعد سماع رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة الاحتفال بذكرى تأميم المحروقات، تجعلك تحلم بالعيش في الجزائر التي تتحدث عنها، بل وتحلم بهذا المستقبل الذي تقدمه الرسالة، وتسرح مع تلك الكلمات الرنانة والتعابير القوية التي تذكرنا بزمن السبعينات (الذي ولى ولن يعود بنسائه ورجاله وخياراته)، اقتصاد قوي ومؤسسات كبيرة وتضافر الجهود والإنجازات الكبرى، والعزف على وتر الوطنية والمخاطر الخارجية والجزائر مستهدفة وغيرها. لكن ما يهز أكثر ويجعل المشاهد ينتفض من مكانه، تلك الجملة التي تتحدث عن “حماية اقتصادنا الوطني من كافة أشكال النهب والمساس الإجرامي”، وهنا يتساءل المرء: هل فعلا الرسالة تتحدث عن الجزائر أم عن بلد آخر لم يعرف ما عرفناه من فضائح للنهب والسرقة طيلة 15 سنة وقبلها؟ وما تعرفه المشاريع من ثغرات وتضخيم للفواتير، وما تعرفه المحاكم الإيطالية من قضايا الرشاوى، أم هو ضحك على الذقون؟

إن يثير الدهشة والغرابة فعلا، هو الدعوة إلى الاعتماد على عبقرية علمائنا، وكأن رئيس الجمهورية لا يعلم أن العامل البسيط الذي لا يملك شيئا يقطع البحر هربا إلى الطرف الآخر، فكيف بعالم أو مفكر يملك كل أسباب التفوق والتقدم هناك وتوفر له الحياة الكريمة والمكانة الاجتماعية الراقية، وأسباب الإبداع والعطاء من جامعات ومخابر بحث ومصانع وإمكانات. أين هذه المخابر التي جهزتم لهم؟ وأي علم ينفع مع هذا النظام الذي حول الدولة إلى “كرنفال في دشرة”، وإن لم تصدقوا كان عليكم أن تنزلوا إلى ساحة البريد المركزي لتلحظوا الطريقة التي تم بها التعامل مع المتظاهرين ضد استغلال الغاز الصخري، وفرق “البارود” و “البندير والزرنة”، هذا هو مستوى الدولة التي تريد أن يعود إليها العلماء. إن على هذا النظام أن يستفيق من سباته الطويل وأحلام اليقظة التي يعيش فيها، ويريد أن يعيش فيها الشعب، وأن يواجه الحقيقة المؤلمة ويستعد لها، إننا عندما نفتقد للضمير وللعقل المدبر والمسيّر، وعندما نفتقد للرؤى الواضحة لمواجهة كل أنواع المخاطر، وعندما نفتقد للإرادة الحقيقية النابعة من حبنا وخوفنا على هذا الوطن، وعندما نفتقد بالأخص للشرعية في التواجد أين يتواجد الكثيرون الآن في هرم السلطة، فإننا كل خطوة تقدمنا بعيدا عما سبق ستعيدنا سنوات إلى الوراء.. نعم إن الغاز الصخري هبة من الله، لكن صدقوني إن أكبر هبة لهذا النظام هو هذا الشعب الصامت الذي تدعوه للصبر وعليكم أن تحمدوا الله عليه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: