+ -

 فضّل الأستاذ الجامعي والباحث العلمي بباريس جعفر ڤونان، قبل مباشرة طرحه، تصحيح مصطلح “جالية”، حيث أوضح لـ«الخبر” بأن هناك مشكلا على مستوى القاعدة النحوية يجب تصحيحه، قائلا: “إن المسلمين في فرنسا ليسوا جالية مسلمة، وإنما هم فرنسيون من الانتماء الإسلامي، دون التحدث طبعا عن الجيل الأول من المهاجرين الجزائريين، فتاريخ الهجرة الجزائرية مرتبط مباشرة بتاريخ فرنسا مع الجزائر، هذا من جانب آخر، ثم لدينا جيلان من الانتماء الإسلامي، وهم على قدر المساواة مع كل الفرنسيين من ثقافات أخرى واعتقادات أخرى”.العنصرية تفوق الجالياتويضيف الأستاذ أن المجتمع الفرنسي متعدد الجنسيات ومتعدد الديانات ويربطه شعار الجمهورية الوحيد، وابن الجالية ليس مسلما وإنما هو فرنسي من انتماء الديانة الإسلامية مثله مثل باقي الفرنسيين من الانتماءات العقائدية الأخرى، وأصول كل فرد تدخل في إطار تاريخ كل شخص، و«نحن نتحدث عن بناء مجتمع فرنسي له مكانته من حيث كل الجوانب الثقافية والعلمية والسياسية والفلسفية. ويجب علينا التحدث عن مجتمع إذا قبل الآخر فإنه يجب أن يتعرف عليه ويعرفه”، يقول جعفر ڤونان، مشيرا إلى أن المجتمع الفرنسي واحد ولا توجد فيه مجموعة أو هو عبارة عن جمعيات للجاليات، وإنما هو مجتمع واحد ببيانات متعددة”، منوها إلى حقيقة أنه في فرنسا توجد عنصرية ضد الإسلام والمسلمين بالإضافة إلى عنصريات أخرى، ويبقى السؤال مطروحا: “لماذا يرغب البعض في نشر مفهوم أن المجتمع الفرنسي هو مجتمع جاليات؟”.تربية الأولاد من الأولوياتواسترسل الأستاذ الجامعي في طرحه قائلا بأن هناك جملة من العوامل قد تدفع مسلمي فرنسا إلى التقدم إلى الأمام، كما أن هناك عدة قطاعات مهمشة، وعلى كل فرد أن يجد مكانه في المجتمع، وذلك يرتكز أولا على مسألة تربية الأولاد المنقسمة بين الأولياء والمدرسة، شريطة أن تقوم هذه الأخيرة بمهمتها والأولياء بواجبهم والسياسيون بدورهم، ثم تأتي الثقافة، يقول جعفر قونان، والانفتاح على الآخر: “إذ لا يمكن لأي شخص أن يتفق مع الآخر إذا لم يعرفه، إذن فعلى المسلمين أن يعرّفوا بأنفسهم ويعرّفوا بالإسلام، لأن سياسة الانغلاق لا تخدم أي أحد، ولتحقيق ذلك يجب المساهمة في إنجاح النشء على مستوى المؤسسات التربوية، وذلك بالمساواة والعدالة الاجتماعية والمساواة في الإمكانيات المادية ووضع جميع الإمكانيات تحت تصرفه للنجاح، ويجب تقديم أمثلة على ذلك، فإذا وجدنا عائلة من 10 أفراد مثلا تسكن في شقة بغرفتين فحتما سنجد طفلا لا يستطيع شراء كتاب كما يتعذر عليه الاجتهاد والتعلم، إذن فسوف يخلق هذا الطفل جملة من المشاكل مستقبلا في المجتمع”.مجتمع يعاني من أزمة الهويةوأبرز الباحث العلمي أنه عندما يتم التكلم عن المساواة بين المواطنين يجب أن يكون ذلك حقيقة واقعية، لكن في الواقع لا نرى سوى القليل منها، أمام مشاكل البطالة والتهميش والبؤس داخل الأحياء ذات الكثافة السكانية، وهي المسؤولية التي تترتب على عاتق السياسيين، فغياب العدالة الاجتماعية يقابله انعدام للآداب عند الجيل الصاعد، الذي يجد نفسه وجها لوجه اليوم أمام الرقمنة والإعلام الآلي والتكنولوجيا، وهذا ما يدخل الجميع في دوامة مجتمع يعاني من أزمة هوية، لا سيما أن شباب اليوم في عصر العولمة وهم معرضون للاستعمال الدائم للمعلومة وتقليبها، ما يشكل العدو الأول بين أيدي الذين يريدون إلحاق الضرر بالإسلام والمسلمين”.وأردف متحدث “الخبر” أنه يجب الانتباه إلى الأبناء ومتابعتهم في قطاع التربية والتعليم والثقافة والرياضة، من خلال لفت نظر الآباء أنهم كانوا مهاجرين وأبناؤهم هم فرنسيون اليوم، ويعتقد الباحث العلمي أن تشبت الأولياء بشيئين مرة واحدة يفقدهما الاثنين. وعرج الباحث على صعوبة الحياة بفرنسا: “لكن على الأولياء الاستثمار وتوفير كل الإمكانيات اللازمة لأطفالهم أو دفع تكلفة عطلة لغوية في إطار تطوير اللغات، وإعطاء الأولوية لتربية الأولاد وتعليمهم للرفع من شأنهم داخل المجتمع، إذ أصبح الفرد اليوم يفرح عندما يرى أبناء مسلمي فرنسا إطارات كفؤة احتلت المراتب العليا والمناصب الحساسة داخل المجتمع الفرنسي، الأمر الذي يشرف كل مسلمي فرنسا”.“على الإمام إتقان اللغتين الفرنسية والعربية”كما تطرق جعفر ڤونان إلى قضية الأئمة وتكوينهم، حيث أكد بأن لهؤلاء مسؤولية كبيرة أمام اللّه: “فالعلوم الدينية لا تكفي وحدها، وعلى الإمام أن يكون عارفا بالمسائل السياسية الفرنسية والأمور النفسانية وعلى دراية بمختلف جوانب الثقافة الفقهية، كما يجب عليه أن يطور معارفه، وأن يتقن اللغتين العربية والفرنسية، أي بمعنى تطوير الفهم عند الأشخاص”.ويرى جعفر ڤونان بأن العلم والعلوم هي الأداة الوحيدة التي يمكن من خلالها تحقيق عدالة حضارية تسمح بالتواصل مع الآخر ومعرفة الطرف الآخر من الفرنسيين لمسلمي فرنسا، الذين عليهم الاجتهاد لاغتنام الفرص من أجل التعريف أكثر بالديانة الإسلامية كاستغلال مناسبة شهر رمضان، مثلما كان يفعل السلف الصالح، عكس العصر الحالي حيث يتخذ من رمضان ذريعة لتبرير الكسل والقيام بتصرفات غير أخلاقية تزيد من سوء فهم الآخر للإسلام، على رأسها تفضيل بعض الأولياء قطع البرنامج الدراسي لأبنائهم بحجة السفر في عطلة إلى الجزائر، إلى جانب تصرف آخر يزيد المشهد قبحا يتعلق بركن أصحاب السيارات مركباتهم على الأرصفة وفي اتجاهات ممنوعة تحت ذريعة أداء صلاة الجمعة، ليبقى السؤال مطروحا: “كيف للفرنسي أن يتفهم مثل هذه التصرفات؟”، فعندما يتم التكلم عن الاندماج فهذا المصطلح يستعمل عندما يرغب في إدماج أجنبي في المجتمع، وليس مسلم فرنسا الذي يعد في الأساس فرنسيا وابن المجتمع الفرنسي، “فحبذا لو يكون مسلمو فرنسا على دراية تامة بتاريخهم والماضي، من أجل تحليل وفهم الحاضر وترقب المستقبل والتحكم فيه”.الأفكار الملائكية والشيطانية يروّجها الإعلام وهنا يكمن دور الإعلام، يقول الباحث العلمي الذي يرى بأن في يده المفتاح وكل المسؤولية تقع على عاتقه، من حيث استعماله لعبارات ملائكية وأخرى شيطانية أحدثت ضجة في المجتمع، خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها فرنسا وهولت الرأي العام الفرنسي وأظهرت له أسوأ صورة عن الإسلام، “فعندما تتناول الصحافة مواضيع الرياضة وتذكر بعض اللاعبين الفرنسيين المحترفين الذين خدموا الكرة الفرنسية تصفهم على أنهم فرنسيون دون ذكر الأصول، لكن عندما تتطرق إلى فرنسي آخر قام بأعمال شنيعة فهو عربي مسلم دون ذكر بأنه فرنسي، الأمر الذي تسبب في زرع الخوف والقلق لدى مسلمي فرنسا، وزاد شبح الخلط بينهم وبين من أراد بالإسلام والمسلمين سوءا، منهم جاهلون بدينهم ومنهم سياسيون يستخدمون الخوف والرعب من أجل الاستحواذ على أصوات انتخابية، وكلنا نعرف أن أعداء الإسلام كثيرون”، يقول جعفر ڤونان.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات