+ -

 يعتبر الأستاذ توفيق صالحي أنه بعد انطلاق ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 في الجزائر، أصبح لوضع المستعمرة واقع جديدا. وتبين قدرة الجزائر الثائرة في التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في السياسة الفرنسية بباريس، لهذا كانت الثورة وراء إجبار السلطات الفاعلة هناك على اتخاذ قرارات حاسمة عسكريا وسياسيا، وكانت أيضا سببا في عدم استقرار الحكومات المتعاقبة على قصر الإليزيه في بداية الحرب وبعدها.كانت منطقة الشمال القسنطيني منذ مطلع عام 1955 منقطعة عن الثورة بالجزائر، بينما كانت منطقة الأوراس تعيش حصارا خانقا، حيث ركزت السلطات الفرنسية عليها بقوات ضخمة، في محاولة منها لإخماد الثورة، أما المنطقة الثالثة فاقتصرت بها بعض العمليات، ويكاد النشاط الثوري ينعدم في المنطقتين الرابعة والخامسة، وبالتالي تطلب القيام بعملية ضخمة لفك الحصار ومواصلة المد الثوري والدفع بالثورة بقوة نحو اللاعودة، وتسليم الثورة للشعب الجزائري.وفي نفس الفترة استلم قائد المنطقة الثانية زيغود يوسف رسالة من المنطقة الأولى بطلب النجدة لفك الحصار عليها، لهذا حاول البدء بالاستعدادات والتحضيرات المعنوية والبشرية، وتعبئة المجاهدين للقيام بهجومات شاملة في إقليم المنطقة الثانية لمدة أسبوع، لفك الخناق على الثورة.. وقررت قيادة المنطقة الثانية بعد سلسلة من الاجتماعات التحضيرية تنفيذ هجومات واسعة، تؤازرها فيها الجماهير الشعبية وتحتضنها على كافة نواحي الشمال القسنطيني، وهذا للتأكيد على شمولية الثورة واستمراريتها، وتفنيد الادعاءات الاستعمارية التي تزعم بأن ما يحدث في الجزائر،ما هو إلا شغب صادر عن مجموعة متمردة خارجة عن القانون، حيث أبرزت هذه العمليات أن ما يجري في الجزائر يمثل قضية تصفية الاستعمار.وسبقت هجومات 20 أوت 1955 عمليات بمناسبة 1 و8 ماي و5 جويلية 1955 التي تميزت بوضع الكمائن، وقطع جميع الطرقات الرئيسية الرابطة بين المدن والقرى لإلحاق خسائر بالقوات الفرنسية، وغنم عدد كبير من الأسلحة، وتخريب عدة منشآت اقتصادية، ما أثر على نفسية الجنود والمعمرين والعملاء على حد السواء، ونتيجة لهذه الهزة توقفت ملاحقات دورياتهم لوحدات جيش التحرير الوطني. بعدها دخلت قيادة جيش التحرير في سباق مع الاستعمار لنزع السلاح من المواطنين الذين يملكونه، لاستخدامه في العمليات اللاحقة، خاصة بعد تزايد أعداد المتطوعين في صفوفهم، الأمر الذي ساعد على تحقيق تطور عسكري مهم، وذلك ما صرح به زيغود يوسف قائلا “اليوم أصبحت القضية قضية موت أو حياة، ففي نوفمبر كانت مسؤولياتنا تنحصر في تحرير الوطن وتنفيذ الأوامر، ولكن اليوم وجب علينا إحدى الطريقتين: إما أن نشن غارات يحدث من جرائها الانفجار الشامل، وبالتالي نحث كل الجهات على مضاعفة عملياتها، ويذاع صوت كفاحنا بكل صراحة على المستويين الداخلي والخارجي، وإما أن يكون بمثابة برهان على أننا عاجزون أن نقود هذا الشعب إلى الاستقلال، وبهذا نكون قد قاتلنا إلى آخر مرة، وتكون في النهاية عملية انتحارية”.وفي ظل هذه الأوضاع الجديدة، جاءت هجومات 20 أوت 1955 لتجد منطقة الشمال القسنطيني نفسها مقحمة بصفة مباشرة كجزء من الجزائر المكافحة، لتساهم بشكل لافت في هذا التغيير بمجرى أحداث الثورة. فقد اختارت قيادة المنطقة الثانية موعد الذكرى الثانية لنفي الملك محمد الخامس لتخوض معارك مفتوحة وهجمات طالت العديد من المدن، ولم يكن تناغم هذه الأحداث وليد صدفة، ذلك أن مهندس الأحداث قائد المنطقة زيغود يوسف كان يدرك أهمية التضامن مع كفاح الأشقاء المغربيين، ويكون مسؤوله ديدوش مراد المطلع على ملف القضية المغربية قد ساعد على بلورة مثل هذا الشعور، وقد أكد بن طوبال على حضور التضامن المغاربي في تفكير قادة المنطقة.من جهته خلد الشعب الذكرى الثانية لنفي الملك بمظاهرات تخللتها أعمال حرق وإتلاف لأملاك المعمرين ومصادمات في منطقة الأطلس والمدن الساحلية والبادية، وفي خريبكة ووادي زم تدخلت الطائرات والمظليون لضرب الجماهيرية الثائرة، وسقط الآلاف من الشهداء، كما كانت الحصيلة ثقيلة على الجانب الفرنسي في يوم 20 أوت 1955، إذ تحطمت طائرة الجنرال “دوفال” القائد الأعلى للقوات الفرنسية في المغرب، وامتدت الحوادث إلى اليوم الثالث والعشرون من أوت، ولعل وصول أخبار انتفاضة الشمال القسنطيني زاد في تأججها. فاعتبرت أحداث 20 أوت 1955 محطة أخرى من محطات النضال المستمر للشعب الجزائري في وجه الاستعمار الفرنسي، وفرصة أخرى لتوحيد صفوف الجزائريين خاصة المشككين منهم في نجاح الثورة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: