السلطة تشدد التقشف بالتعليمات وتطمئن الجزائريين بالتصريحات

+ -

فرضت الحكومة على الجزائريين تناقضا “غير مفهوم” بشأن إجراءات التقشف إثر انهيار أسعار البترول. فهذا التناقض يشعر الرأي العام بأن الدولة لها جهازان تنفيذيان، الأول سار في التعليمات “الورقية” حول ترشيد النفقات العمومية وتجميد المشاريع، والثاني متواجد في الواقع على لسان الوزير الأول، بالتحديد، الذي يطلق تصريحات يعاكس فيها تماما توجيهاته للوزراء والولاة بشأن الوضع الاقتصادي الحالي.بدأت تتهاوى التعليمات الحكومية والوزارية لـ”شد الحزام”، منذ تعليمة رقم 348 منتصف ديسمبر 2014، وقعها الوزير الأول عبد المالك سلال، بخصوص تدابير تعزيز التوازنات الداخلية والخارجية للبلاد، ويؤكد فيها سلال أن “احتمال دوام انهيار سعر البترول قد يترتب عنه تراجع كبير لإيرادات الميزانية، مع التأثير المحتمل على التوازنات الداخلية والخارجية”. وهو ما حدث بالفعل، ففي شهر ديسمبر كان سعر البرميل 70 دولارا، وانتهى هذه الأيام إلى أقل 48 دولارا.ولم تنف الحكومة التأثر “بأزمة البترول” في هذه التعليمة، التي فعل إجراءاتها مجلس وزاري مصغر ترأسه رئيس الجمهورية بعد أيام قليلة، فدعا سلال وزراءه في هذه التعليمة لأن “يمتثلوا لمسعى وانضباط حكومي متناسق واستشرافي وحذر، في مجالات نفقات التسيير والتجهيز وتحسين الموارد وتمويل الاقتصاد والتجارة الخارجية، وتنويع الاقتصاد خارج المحروقات وفي مجال المراقبة”.وسمت الحكومة إجراءات “التقشف” بـ”ترشيد النفقات”، لكنها جمدت كل عمليات التوظيف الجديدة “ماعدا في حدود المناصب المالية المتوفرة من خلال اللجوء، وبعد موافقة الوزير الأول، إلى تنظيم المسابقات والاختبارات المتعلقة بذلك، وتفضيل اللجوء، كلما كان ممكنا، إلى إعادة نشر المناصب المالية الموجودة”، علما أن الموظفين ضمن إطار الوظيف العمومي هم أصحاب الشهادات الجامعية.وأعطت الحكومة أيضا كل المؤشرات بعد هذه “التعليمة”، بأنها في “أزمة” لا يراها إلا أعمى، فبدأت بالسعي إلى فرض التعامل بالصكوك البنكية، فكان دافعها في البداية مراقبة قنوات جمع الأموال، لكن مع توالي الأيام اتضح أن الحكومة تريد “جمع” أموال أصحاب الشكارة وعرضت عليهم “امتيازات وتحفيزات”، قصد إيداعها في البنوك لتدويرها في مشاريعها، لأن “الموس لحق للعظم”، كما يقول المثل الشعبي.وأمام هذه الإجراءات والتعليمات وحتى “الحيل”، تطلق الحكومة ذاتها على لسان مسؤولها الأول عبد المالك سلال، خطابا معاكسا للتعليمات ومناقضا لها، بأن الوضع الاقتصادي بخير والجزائر تملك الطاقات البشرية والمادية لبناء اقتصاد قوي، رغم انهيار سعر البترول، لكن دون إعطائها تفاصيل عن هذا “التفاؤل” والعالم يبكي “أزمة البترول”.لكن الرئيس اعترف لأول مرة في رسالة بمناسبة عيد النصر، بأن “مداخيل الجزائر في خطر”، ودعا “الجزائريين إلى التضامن مع الحكومة لتجاوز المحنة”. ثم عادت الحكومة إلى “عادتها القديمة”، بنشر التفاؤل بين الجزائريين، بعدما وضعت المعارضة لنفسها رسالة الرئيس “خلفية مؤكدة لوضع البلاد”، لكن دائما خطابات طمأنة في التصريحات فقط.ففي 25 جوان الماضي، أبلغ المدير العام للميزانية، فريد باقة، مديري البرمجة ومتابعة الميزانية والمراقبين الماليين بالوزارات والمؤسسات العمومية، والمراقبين الماليين بالولايات وبالبلديات، في تعليمة، بضرورة تجميد كل العمليات الخاصة بشراء التجهيزات العمومية، بسبب إجراءات تخفيض الإنفاق العمومي والتحكم في فاتورة الاستيراد.ونشرت “الخبر” فحوى التعليمة التي ذكر بها المدير العام للميزانية بأنها مبنية على أوامر من الوزير الأول، سبق أن تمت إحاطتهم بها بعد صدورها في 16 جوان، وتتعلق بوقف كل مشاريع اقتناء العتاد العمومي، وأوضح المسؤول أن الجهات المعنية بتعليمته مطالبة بتجميد المشاريع التي لم ينطلق تنفيذها، إلا برخصة مختومة بطابع الاستعجال ومن الوزير الأول دون غيره، وأي ترخيص “سيكون في إطار الأولويات التي أعلنت عنها الحكومة في وقت سابق، بشرط أن يكون المشروع وصل إلى مرحلة النضج الكامل، وبشرط أيضا إعادة هيكلة برنامج القطاع المعني، وذلك بغية ضمان تمويله”.وأصدرت الحكومة مراسلة بتاريخ 12 أوت الجاري تحمل رقم 1356، يبلغ فيها وزير المالية، تجميد الحكومة بصفة رسمية ونهائية، كل مشاريع التجهيز التي لم يتم الانطلاق في إنجازها بعد، والتي أيضا لم يتم بشأنها تبليغ الأوامر بالخدمة، بما فيها الممولة برسم حسابات التخصيص الخاص، مع استثناء برامج التنمية المحلية.وأدرجت هذه المراسلة، حسب فحواها، ضمن الإجراءات التكميلية لتجسيد التدابير الرامية إلى تعزيز التوازنات الداخلية والخارجية للبلاد، بسبب استمرار انهيار أسعار البترول، حيث ألزم سلال كافة وزرائه “بتأجيل كل عملية اقتناء سيارات إلى غاية السنة المالية 2016، بما في ذلك تلك التي سبق أن تم تسجيل اعتمادات بشأنها برسم ميزانية سنة 2015”، ومنع أيضا عمليات نقل المستخدمين التابعين للوظيف العمومي التي تترتب عنها آثار مالية، وذلك “من أجل ضمان هيكلة وتوزيع أمثلين للمستخدمين، وبهدف تيسير حركية الموظفين، من خلال إعادة توزيعهم، باعتبارها الصيغة الواجب تفضيلها”.وعلى ضوء كل هذه التعليمات التي تثبت أن الوضع الاقتصادي صعب، أو كما تنبأت به دراسات عالمية بأن انهيار سعر البترول يهدد الاستقرار السياسي للجزائر، تصر “حكومة التصريحات”، حسب ما قاله الوزير الأول، أول أمس من قسنطينة، أن “البلاد بخير وتملك رجالا وقدرات، وتواصل جهودها في بناء اقتصاد قوي، ولابد للجزائريين التخلي عن سياسة التخويف والإحباط”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: