اللغة العربية أمام تحدي العولمة والخروج من المفهوم القومي

+ -

دافع باحثون في الأدب العربي واللسانيات وإعلاميون عن ضرورة استعادة اللغة العربية لمكانتها كلغة علم وثقافة، لكونها لغة “عالمية” استطاعت على امتداد التاريخ أن تثبت مرونتها الفائقة، وقدرتها العالية على استيعاب ما تعرضت له من تحول تدريجي، نقلت من خلاله المجتمع العربي من البداوة إلى التحضر، وجعلته يعيش فترة طويلة من التقدم العلمي، ولا يمكن بذلك الحديث عن “قوميتها” التي تمثل تقزيما لـ “عالميتها”، وهي لسان التخاطب ووسيلته بين ما يقارب 300 مليون نسمة، ولغة العبادة والتواصل الديني بين ما يربو على المليار وربع المليار مسلم، حاولت “الخبر” من خلال هذه الموضوع البحث في مكانة العربية كلغة، ومدى صلاحيتها في الوقت الحاضر لأن تكون لغة علم وتقنية. الأستاذ بلقاسم بلعرجاللغة العربية في مواجهة لغة التكنولوجيا الحديثة يرى الدكتور ومدير مخبر اللغة العربية بجامعة 8 ماي 45 بڤالمة بلقاسم بلعرج، أن اللغة هي المعيار الذي يقاس به حظ الأمم من التحضر والمدنية، وارتقاء الشعوب يعكس مدى اهتمامهم بلغتهم وقدرتها على استيعاب أنشطتهم العقلية، لذلك عاشت اللغة العربية فترة طويلة من الزمن تعكس ما توصل إليه العرب من تقدم علمي في مختلف المجالات، وأثبتت مرونتها الفائقة وقدرتها العالية على استيعاب التحول التدريجي الذي طرأ على المجتمع العربي، فانتقل من حياة البداوة إلى حياة التمدن والتحضر.ويقول الأستاذ بلقاسم بلعرج أنه في القرن الرابع الهجري مثلا فوجئ العرب بأسماء ومسميات لعلوم ومعارف لم يكن لهم ولا للغتهم عهد بها، وإنما انطلاقا من وعيهم الحضاري نقلوها أولا إلى لغتهم حتى تتفاعل معها وتتجاوب لمتطلباتها، ثم صهروها بلسانهم تحليلا وتأليفا وإبداعا، فنضجت اللغة عندما نضجت عقلية العرب وخلدت للعالم إبداعهم الحضاري؛ سواء في العلوم العقلية كالطب والكيمياء والفلك والطبيعة أو في العلوم النقلية كالفقه والتفسير والكلام، فصارت لغة العلم الأولى من دون منازع في القرون الوسطى، حتى قيل في المثل “عجبت لمن يدعي العلم ويجهل العربية”. ويطرح الأستاذ بلعرج، في محاولة لإجراء مقارنة بين ماضي وحاضر اللغة، مجموعة من الأسئلة تتعلق بمكانتها وأهلها في ظل عصر التقنية الدقيقة وإنجازات العلم والتكنولوجيا ووسائل الاتصالات المختلفة، وكذلك النشاطات الاقتصادية العالمية التي تعتمد على اللغة في تقنينها، وقد أصبحت المعرفة مرتبطة كليا بما أنجزه العلم في العصر الحديث، وسيطرة اللغة الإنجليزية على الحاسوب بنسبة 88%. ويعود للسؤال مرة أخرى عن موقع اللغة العربية في هذه الشبكة، كما يستفهم عن مقدرتها على الصمود أمام التحديات المفروضة عليها من كل جانب، أم أنها ستستسلم تاركة المجال لما يسمى اليوم بالعولمة اللغوية التي تفرض النمط الأمريكي، ويرى من جهة أخرى أن السؤال الجوهري الواجب طرحه في هذا السياق يتعلق بالمقدرة على إبراز الوظيفة الجديدة التي يمكن أن تؤديها اللغة العربية في عالم يعيش العولمة رغم أنفه، يعيشها في كلامه وفي لباسه وأكله وشربه وسياسته وثقافته واقتصاده.العربية تخوض 3 صراعات أخطرها مع أبنائهايرى مدير مخبر اللغة العربية أنها تخوض حاليا صراعات ثلاثة: الأول “طبيعي” استدعته حتمية ظروف طبيعية في حياة لغات الشعوب، وقد تناوله مفكرون وباحثون لغويون واجتماعيون ليحددوا أسبابه وعوامله ونتائجه في حياة الشعوب، وآثاره الفكرية والنفسية والاجتماعية، والثاني “خارجي” مصطنع مدبر رصدت له جهود وسخرت في سبيله طاقات مدعومة من قبل التعصب الاستدماري، فاستحال حربا ضد لغات أمم مقهورة منها الأمة العربية ولغتها، فظهر تحت مسميات عدة:العلم، الحضارة والعولمة، هذا الاصطلاح الأخير الذي أطلت به أمريكا على العالم، وروجت له واستعملته بذكاء ولباقة، يعني في حقيقة الأمر ضرب الهويات الثقافية للشعوب والأمم وعمادها اللغة.أما الثالث فصراع “داخلي”، ويرى أنه أصعبها وأخطرها، إنه تحدي أبنائها إياها، ويتأسف بشدة كونهم يتفننون في انتهاك حرمتها، والتقاعس عن خدمتها، ما تسمح للغات الأخرى وبخاصة الإنجليزية والفرنسية بتبوء مكانة قد تفوق مكانة اللغة العربية في نفوس أبنائها، وهو أمر يهدد بتفسخ الروابط بينهم وبتميع هويتهم في ظل انفتاح الشعوب بعضها على بعض تحت غطاء العولمة، مطالبا بالعمل الجاد المثمر الفعال، والسعي لتربية أجيالنا على إتقانها والتكلم بفصحاها حتى نؤصلها في الحياة اليومية لمجتمعاتنا، ويجب ألا يغيب عن أذهاننا أن اللغة العربية اليوم لسان التخاطب ووسيلته بين ما يقارب 300 مليون نسمة، كما أنها لغة الصلاة والعبادة والدعاء والتواصل الديني بين ما يربو على المليار وربع المليار مسلم.ويرى الدكتور بلعرج أن أهم تناقض يمكن أن يسجل في المنظمة التعليمية يبرز بما يعيشه التلميذ بشكل مستمر، ويخص تدريسه قواعد اللغة العربية على يد أستاذ قد يكون غير مؤهل، أو غير متمكن من الممارسة اللغوية السليمة في حياته ومحادثاته مع الآخرين، وفي مرحلة ثانية قد يخرج التلميذ من قسم اللغة العربية إلى قسم تنتظره فيه مادة التاريخ أو الجغرافيا أو الفلسفة أو الرياضيات أو أية مادة أخرى لتقدم له بالعامية أو بلغة مهلهلة، غير سليمة لفظا وأحيانا كتابة، كل هذا لا يساعده على العيش في مناخ دراسي يؤهله ليصبح متمكنا من اللغة العربية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: