+ -

شرع اللّه العبادات والشّعائر لحكم عظيمة وغايات جليلة، فهي تزكّي النّفوس، وتطهّر القلوب، وتقرّب العباد من ربّهم سبحانه وتعالى، ومن هذه العبادات العظيمة عبادة الحجّ. وللحجّ أسرار بديعة وحكَم متنوعة وبركات متعدّدة، ومنافع مشهودة، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأمّة، ينبغي للحاج أن يقف عندها، وأن يمعن النّظر فيها، وأن يستشعرها وهو يؤدّي هذه الفريضة، حتى يحقّق الحجّ مقصوده وآثاره. الحجّ أفضل الأعمال بعد الإيمان والجهاد؛ فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: “سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إيمان باللّه ورسوله. قيل: ثمّ ماذا؟ قال: جهاد في سبيل اللّه. قيل: ثمّ ماذا؟ قال: حجّ مبرور” رواه البخاري. وهو أفضل الجهاد؛ فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: “قلت يا رسول اللّه، نرى الجهاد أفضل الأعمال؛ أفلا نجاهد؟ قال: لا، ولكن أفضل الجهاد حجّ مبرور” رواه البخاري. والحجّ المبرور جزاؤه الجنّة، قال عليه الصّلاة والسّلام: “العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة” رواه مسلم.فمن أسرار الحجّ تحقيق العبودية للّه، ففيه يتجلّى معنى تحقيق العبودية للّه عزّ وجلّ غاية التجلّي؛ وفي الحجّ تذلل للّه وخضوع وانكسار بين يديه؛ فالحاج يخرج من ملاذ الدّنيا مهاجرًا إلى ربّه، تاركًا ماله وأهله ووطنه، متجرّدًا من ثيابه، لابسًا إحرامه، حاسرًا عن رأسه، متواضعًا لربّه، تاركًا الطّيب والنّساء، متنقّلاً بين المشاعر بقلب خاضع وعين دامعة ولسان ذاكر، يرجو رحمة ربّه ويخشى عذابه.وفي الحجّ يتجلّى معنى ذِكْر اللّه عزّ وجلّ، لأنّ الذِّكر هو المقصود الأعظم للعبادات؛ فما شُرِعَت العبادات إلاّ لأجله، وما تقرّب المتقرّبون بمثله، وما شُرِع الطّواف بالبيت العتيق، ولا السّعي بين الصّفا والمروة، ولا رمي الجمار إلاّ لإقامة ذِكر اللّه تعالى، قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ويَذكُروا اسمَ اللّه في أيّام مَعلومات} الحجّ:28.كما يتجلّى في ارتباط المسلمين بقِبلتهم الّتي يولّون وجوههم شطرها في صلواتهم المفروضة خمس مرّات في اليوم.وإن الحجّ فرصة عظيمة للإقبال على اللّه بشتى القُربات، إذ يجتمع فيه من العبادات ما لا يجتمع في غيره؛ فيُشارك الحجّ غيره من الأوقات بالصّلوات وغيرها من العبادات التي تفعل في الحجّ وغير الحجّ، وينفرد بالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ورمي الجمار، وغير ذلك من أعمال الحجّ.والحجّ وسيلة عظمى لحطّ السيّئات ورفعة الدّرجات، فهو يهدّم ما كان قبله، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعمرو بن العاص رضي اللّه عنه: “أمَا علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحجّ يهدم ما كان قبله” رواه مسلم.وفي الحجّ يستعيد المسلم ذكريات أسلافه من الأنبياء والعلماء والعباد والصّالحين، الّذين أَمُّوا هذا البيت المبارك، ووطئت أقدامهم تلك المواطن العظيمة، فيتذكّر نبيّ اللّه إبراهيم عليه السّلام وهجرته مع زوجه، وما جرى لهما من الابتلاءات والكرامات، ويتذكّر قصّة الذّبيح إسماعيل عليه السّلام، ثم بناء البيت وأذانه في النّاس بالحجّ، ويتذكّر نبيّنا الكريم صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي نشأ في هذه البقاع ولقي فيها ما لقي من كفار قريش، ويتذكّر حجّة الوداع التي أكمل اللّه فيها الدّين وأتمّ النّعمة.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات