أفارقة وعرب يتعرضون لـ”الاستعباد” في الجزائر

+ -

تحركت الحكومة أخيرا لوضع حد لاستغلال بعض أرباب العمل لمأساة اللاجئين بتشغيلهم في مشاريعهم، إذ لم يجد هؤلاء في أصحاب البشرة السمراء والعرب الذين رمت بهم ظروف الحرب والفقر في بلدانهم بحثا عن الأمان، من أجل تحصيل مدخولهم، ويستغلون الهجرة غير الشرعية لهؤلاء لشراء صمتهم على أجور زهيدة، وقد قررت السلطات أخيرا فتح تحقيقات في هذا الأمر بمعاقبة المخالفين وتقنين عمليات التشغيل بإجبار الخواص على الحصول على تراخيص من مديريات التشغيل الولائية.يعملون في ظروف قاسية مقابل رواتب زهيدةأصحاب ورشات بناء يستغلون اللاجئين لإتمام مشاريعهم لاجئون من مختلف الجنسيات الإفريقية والعربية غزوا ورشات البناء الجزائرية، غير آبهين بحرارة “الصمايم”، وأبوا إلا الالتفات إلى توفير لقمة عيشهم، مستسلمين لأرباب العمل الذين وجدوا أنفسهم في حرج بعد عزوف اليد العاملة الجزائرية عن مشاريعهم، فاستغلوا هجرتهم غير الشرعية بشراء صمتهم مقابل أجور زهيدة.بصدور عارية.. وعرق يتصبب من أجسادهم السمراء كانوا يكدون في العمل لضمان لقمة عيشهم، بعد أن قطعوا مسافات طويلة من بلدانهم التي عانوا فيها ويلات الحروب والفقر. بيار ومارك ومحمد ومبالو وغيرهم يعملون بكد ودون توقف في ورشات بناء منتشرة كالفطريات بأحياء مختلفة بالعاصمة. وببلدية حيدرة، حيث يوجد أحد هذه المشاريع، التقينا ببيار الذي قدم من مالي هربا من الفقر وويلات الحرب. كان منهكا ينتظر من يجود عليه بقارورة ماء باردة تروي عطشه بعد يوم طويل من العمل الشاق تحت درجات حرارة حارقة، وبمجرد أن بادرناه بالحديث، استرسل يقول بلهجة توحي أن صاحبها قد أنهكته الحياة قائلا: “أحاول إيجاد فرصة عمل أحسن، ولكني لم أفلح في ذلك، فوجدت نفسي أتنقل عبر ورشات البناء بمختلف أحياء العاصمة”. يتقاضى بيار نحو 1500 دينار في اليوم، لكنه مجبر على العمل الشاق، فالمهام المسندة إليه تفوق القيمة المالية التي يتقاضاها، والغريب في الأمر أنه يشتغل دون تأمين، ما يجعله يعمل بحذر لتفادي إصابته بأي حادث قد يجعله من دون عمل ولا لقمة عيش. حال مبالو ليس أحسن حال من بيار، الذي يشتغل في ورشة بناء لمشروع سكن تابع لأحد الخواص ببلدية الشراڤة، بعد أن فر هو الآخر من براثن الفقر الذي يضرب بلده في النيجر، فلم يجد سوى ورشات البناء لسد حاجيات يومه عله يجمع أموالا تمكنه من العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط، بحثا عن حياة أفضل، على حد قوله. وبصوت أجش وبلغة فرنسية ذات لهجة إفريقية يسترسل مبالو قائلا: “أشتغل بهذه الورشة منذ نحو عام، أقيم رفقة العشرات من الأفارقة داخل ورشات البناء”. أما المبلغ الذي يتقاضاه يوميا فهو لا يتعدى 1600 دينار، لا يصرف منه إلا 500 دينار، والباقي يدخره، على أمل أن يلتحق بالضفة الأخرى للمتوسط.أما محمد من جنسية مغربية، فهو أحد نحاتي الجبس المطلوب كثيرا من قبل العائلات الجزائرية، التي تبحث عن لمسة جمالية خاصة لتزيين فيلاتهم، فمحمد يوجد بالجزائر منذ عام وقد انتهت مدة صلاحية بطاقة إقامته، وهو نفس حال عدد كبير من أبناء وطنه، بحسب ما أكده لنا، مضيفا أنه يضطر للتخفي حتى لا يتم توقيفه وإبعاده إلى وطنه، غير أن حال محمد أحسن من باقي الأفارقة، إذ يتقاضى أجرا معتبرا بالنظر إلى طبيعة عمله التي تعتمد على الجانب الفني والجمالي، لكنه غير مصرح به لدى مصالح التأمين والضمان الاجتماعي وبعيد عن أعين الرقابة.  هي ورشات تنامت كالفطريات، وحيثما وقعت عيناك تشاهد عشرات الأفارقة الذين يتسلقون الطوابق العليا، بغض النظر عن الأخطار التي تهدد حياتهم، وفي غياب تام لأصحاب المشاريع الذين لا يهمهم سوى تحقيق تكاليف أقل في مشاريع تدر عليهم الملايير. كانت عبارة عن عينة من الأوضاع القاسية التي يعيشها أغلب اللاجئين الأجانب، في معظم المشاريع الأخرى من مصانع وورشات مختلفة ومستثمرات فلاحية التي يعزف الشاب الجزائري عن العمل فيها، خاصة في فصل الصيف.الحكومة تقرر تقنين العمليةملاحقة المتسترين على تشغيل اللاجئين شرعت مصالح الأمن عبر عدد من ولايات الوطن في تحقيقات مع أصحاب مقاولات للبناء وعدد من المصانع وحتى بعض المزارع، التي تقوم بتوظيف لاجئين أفارقة وعرب من بينهم سوريون ومغاربة ويمنيون بطريقة مخالفة للقانون، ودون التبليغ عنهم أمام مكاتب التشغيل وكذا شؤون الهجرة لدى الولاية، ما يعني أن هؤلاء غير مصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي أيضا.رغم قرار الحكومة السماح بتوظيف اللاجئين الأفارقة والعرب في مختلف القطاعات، خاصة لدى أصحاب المصانع ومقاولات البناء، من خلال السماح لمديريات التشغيل على مستوى الولايات بمنح تراخيص بتوظيف هؤلاء، إلا أن عددا من أصحاب هذه المشاريع والمصانع لا يبلغون عن اللاجئين الأفارقة الذين يتم استغلالهم بطرق غير قانونية، والأخطر من كل هذا، حسب ما أكدته مصادر مطلعة لـ”الخبر”، أن عشرات اللاجئين الأفارقة والعرب خاصة منهم السوريون لا يتم التبليغ عنهم أمام مصالح المغتربين بالولايات.وتمنح مديريات التشغيل رخصا استثنائية لا تتجاوز مدة صلاحيتها سنة واحدة، للرعايا الأجانب اللاجئين بأمر من وزارة العمل والتشغيل والداخلية، في سعي لتحكم أكبر في ظاهرة اكتساح النازحين الأفارقة والسوريين لشوارع وأحياء مختلف ولايات الوطن، محترفين مهنة التسول، مشكلين ما يشبه جمهوريات صغيرة بعدد من مناطق الوطن.  وقد تحولت هذه الرخص إلى وسائل بزنسة من قبل مكاتب التشغيل الولائية، كما حدث بولاية الجزائر خلال العام الماضي، في فضيحة تم خلالها توقيف مدير التشغيل لولاية الجزائر، بعد ضبطه متلبسا بالرشوة مقابل تقديم رخص عمل مؤقتة للرعايا الأجانب، والتي ورد ضمنها اسم شركة الرعية اليوناني (ك.ف) صاحب شركة أدوية على مستوى التراب الوطني، والذي استلم رخصة عمل مؤقتة في مدة زمنية قدرها 48 ساعة، ومن دون وساطة بين شركات الدراسات ومديرية التشغيل، وقد استغل مدير التشغيل وظيفته ونفوذه لاستلام رشاوى، وهدايا باهظة، وقد تم ضبطه في حالة تلبس بمنطقة سعيد حمدين، وهو يستلم ظرفا بداخله مبلغ 120 مليون سنتيم، وبفتح تحقيق مع المدعو (ط.رشيد)، وهو صاحب شركة بنواحي سيدي يحيى، أكد أنه في أكتوبر 2012 قدم لمدير التشغيل رشوة بقيمة 350 ألف دينار لشراء مسكن في ولاية معسكر، ومبلغ 15 مليون سنتيم لقضاء عطلة، و90 مليون سنتيم مقابل رخص عمل، ليرجع ويؤكد أن هذه المبالغ المالية المقدمة لمدير التشغيل بغض النظر عن الهدايا والمواد الغذائية التي صرح أنها كانت تكلفه يوميا مليون و800 ألف دج، إلى جانب تسديد فواتير الهواتف النقالة له ولزوجته، وهو المبلغ الذي تم ضبطه به متلبسا.وضبطت مصالح الأمن عبر عدد من ولايات الوطن، خاصة بالعاصمة ووهران ومناطق داخلية كالمسيلة والجنوب أيضا، عددا من العمال الذين يشتغلون في ورشات البناء ومصانع وحتى في المزارع دون التصريح حول وضعيتهم القانونية، ولا يحوزون حتى على بطاقات للإقامة، وقد تم تحرير محاضر فيما يخص هذه القضايا تحال على العدالة.  في ذات السياق تشرع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لاحقا في إجراء تحقيقات على مستوى عدد من المؤسسات، تكون فيها هذه التحقيقات سرية للكشف عن مدى إعلان بعض المؤسسات والورشات التي تشغل اللاجئين أمام مديريات الضمان الاجتماعي.الجزائر: مراد محامدوزارة العمل تسمح بتشغيل اللاجئين بشروطإلزامية حصول الخواص على تراخيص من مديريات التشغيل أمرت وزارة العمل والضمان الاجتماعي، في تعليمة أرسلتها مؤخرا إلى مديريات التشغيل الولائية، بمنح رخصة عمل صالحة لمدة سنة واحدة فقط، تمكن من تشغيل اللاجئين من مختلف الجنسيات لدى بعض الخواص، وتستظهر هذه الرخصة كمبرر للوضعية القانونية لهؤلاء اللاجئين.يأتي إصدار وزارة العمل لهذه التعليمة قصد تنظيم عملية تواجد اللاجئين في الجزائر، وتجنيبهم احتراف مهنة التسول في شوارع المدن، كما ستمكن اللاجئين الذين يحوزون على هذه الرخصة من العمل على مستوى المشاريع التي ينفذها بعض الخواص، مثل ورشات البناء ومختلف مشاريع الأشغال العمومية، وحتى في بعض المصانع.وكان أرباب عمل ومقاولون وأصحاب مزارع كبرى ومستثمرات فلاحية قد طالبوا بضرورة اتخاذ الحكومة إجراءات استعجالية تسمح لهم بتشغيل الأفارقة والمهاجرين العرب المتواجدين في الجزائر، بعد عجزهم عن إيجاد اليد العاملة الكافية للقيام بعدة أشغال، في ظل عزوف الشباب الجزائريين عن ممارسة هذه المهن، خاصة في مجالي البناء والسكن والفلاحة. وقد دفعت الوضعية في السابق ببعض أرباب العمل والمقاولين إلى تشغيل عدد من الأفارقة وأبناء الجالية العربية المتواجدين في الجزائر بطرق غير قانونية، خاصة السوريين والمغاربة الذين يتقنون الكثير من مهن البناء.وبحسب أرباب العمل، فإن الإجراء سيوفر على السلطات استيراد المزيد من اليد العاملة من الخارج، في ظل وجودها داخل الوطن دون استغلالها، ومن شأن دمج هؤلاء الأجانب في المهن والأشغال التي تعزف عنها اليد العاملة المحلية أن تستفيد منه الدولة، إذ تمكن من التحكم في تواجدهم وتحركهم داخل التراب الوطني، وكذلك تسهيل عملية إحصائهم ومراقبتهم بتتبع مسارهم الاجتماعي، وهذا الأمر تؤكده أيضا رئيسة الهلال الأحمر الجزائري التي دعت إلى تقنين عملية تشغيل هؤلاء.بن حبيلس تندد بالاستغلال وتطالب بمعاقبة المخالفينتقارير عن تشغيل اللاجئين بطرق غير قانونية نددت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، سعيدة بن حبيلس، باستغلال بعض أصحاب المصانع والورشات وكذا المقاولات للاجئين الأفارقة وجنسيات أخرى في مصانعهم، دون التصريح بهم أمام مديريات الضمان الاجتماعي، داعية إلى توقيف هذه الممارسات التي وصفتها باللاإنسانية، مؤكدة بأن بعض عديمي الضمير هم من يلجأون إلى مثل هذه السلوكيات التي تذكرنا بزمن العبودية.ودعت بن حبيلس بالمناسبة إلى الالتزام بالقوانين المنظمة للعمل، خاصة ما تعلق بتشغيل اللاجئين والنازحين من ويلات الحروب والمجاعة في أوطانهم، مؤكدة بأن الجزائر البلد الوحيد في العالم الذي يسمح بدخول اللاجئين، خاصة الأفارقة، دون اعتراض سبيلهم،  وأضافت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري أن رئيس الجمهورية أصدر تعليمات صارمة في هذا الشأن تخص حسن ضيافة هؤلاء، خاصة الرعايا العرب، من بينهم السوريون والفلسطينيون، الذين أمر الرئيس، بحسب المتحدثة، بضمان تمدرس أبنائهم والتكفل التام بعائلاتهم.  وأكدت بن حبيلس أن الهلال الأحمر الجزائري يواكب النشاط الدولي والإقليمي، ويقوم بعمليات إيجابية لصالح اللاجئين الأفارقة والسوريين والليبيين دون تفرقة، وهذا بشهادة الملاحظين الأجانب والمعنيين بالأمر، معترفين بأن كل الشروط الدولية معمول بها في الجزائر للتكفل باللاجئين، كما أن عملية ترحيل الأفارقة إلى بلدانهم جاءت بطلب من الحكومة النيجرية نظرا للاستغلال من طرف شبكات إجرامية نيجرية النساء والأطفال في التسول. وفي قضية اللاجئين السوريين قالت رئيسة الهلال الأحمر الجزائري إن الجزائر تسعى لضمان تمدرس الأطفال السوريين وإدماجهم في المدارس، ويتم هذا الأمر بموافقة الأولياء، وبخصوص ليبيا هناك قافلة إنسانية قدمت مساعدات إنسانية وعلاجا للمرضى والجرحى الذين يعالجون في الجزائر، أما عن التضامن مع فلسطين فهي مسألة تاريخية ودائمة يشهد لها التاريخ، كما كانت هناك أيضا عملية تضامنية مع تونس لفائدة العائلات المعوزة القاطنة بالحدود التونسية الجزائرية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات