+ -

 جاء في حديث جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما في صحيح مسلم: فلم يزل واقفًا يعنى بعرفة، حتّى غربت الشّمس وبدت الصّفرة قليلاً، حتّى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه ودفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد شنق للقصواء الزمام حتّى إنّ رأسها ليصيب مورك رحله ويقول بيده اليمنى: “أيّها النّاس السّكينة، السّكينة”.كما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلاً حتّى تصعد، حتّى أتى المزدلفة فصلّى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئًا. ثمّ اضطجع حتّى طلع الفجر فصلّى الفجر حتّى تبيّن له الصّبح بأذان وإقامة ثمّ ركب القصواء حتّى أتى المشعر الحرام. فاستقبل القبلة فدعا اللّه وكبّره وهللّه ووحّده فلم يزل واقفًا حتّى أسفر جدًّا، فدفع قبل أن تطلع الشّمس”.والمشعر الحرام هو المزدلفة، والقرآن هنا يأمر بذِكر اللّه عنده بعد الإفاضة من عرفات ثمّ يذكر المسلمين بأنّ هذا الذِّكر من هداية اللّه لهم، وهو مظهر الشُّكر على هذه الهداية ويذكرهم كذلك بما كان من أمرهم قبل أن يهديهم إلى الصّراط المستقيم {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِين}.والجماعة المسلمة الأولى كانت تدرك حقّ الإدراك مدى وعمق هذه الحقيقة في حياتها. لقد كانت قريبة عهد بما كان العرب فيه من ضلال، ضلال التصور، مظهره عبادة الأصنام والجنّ والملائكة، ونسبة بنوة الملائكة إلى اللّه تعالى، ونسبة الصّهر إلى اللّه مع الجنّ، إلى آخر هذه التصورات السّخيفة المتهافتة المضطربة، الّتي كانت تنشئ بدورها اضطرابًا في العبادات والشّعائر والسّلوك: من تحريم بعض الأنعام ظهورها أو لحومها بلا مبرّر إلاّ تصوّر علاقات بينها وبين شتى الآلهة، ومن نذر بعض أولادهم للآلهة وإشراك الجنّ فيها، ومن عادات جاهلية شتّى لا سند لها إلاّ هذا  الرّكام من التصورات الاعتقادية المضطربة، وضلال في الحياة الاجتماعية والأخلاقية، تمثّله تلك الفوارق الطبقية الّتي تشير الآية الآتية في السياق {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، إلى إزالتها..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات