38serv

+ -

 إحالة الفريق محمد مدين على التقاعد لم تؤكد كما لم تنف صراع الرئاسة والمخابرات، مثلما لم تشر إلى وجود حرب وقد انتهت بتقاعد الجنرال توفيق، كإجراء، سبقه أويحيى بيوم، لما قال إن “المخابرات من صلاحيات الرئيس”. هل مهد أحمد أويحيى للرأي العام استلام “على طبق من ذهب” خبر إحالة الجنرال توفيق على التقاعد في اليوم الموالي، حتى يلقى قبولا لدى الجزائريين، من أن الرئيس بوتفليقة، فعلا، هو الآمر الناهي في الجزائر؟ بعيدا عن تصريف صاغه موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أول أمس، من أن “الرئيس بوتفليقة يظن من خلال تسريحه بعض الجنرالات، أنه انتصر في معركته، ولكن الحقيقة هي أن هذا الجهاز، كما في بقية الدول غير الديمقراطية، أكثر تعقيدا وقوة من أن يموت بمجرد رحيل بعض قياداته”، فإن مسألة تقاعد محمد مدين، بعد 25 سنة كاملة على رأس دائرة الاستعلام والأمن، تحتمل فرضيتين: إما أن الرئيس تمكن من ترجيح كفة الصراع لصالحه، من خلال إحالة كبار ضباط المخابرات والجيش على التقاعد، ويأتي بعد ذلك، دور الجنرال توفيق كتحصيل حاصل، وإما أن تقاعد محمد مدين أملته ما سماها “الدا الحسين” بـ”دورة الحياة” لما قرر الانسحاب من قيادة الأفافاس.لكن دورة الحياة لا يمكنها إسقاط الجنرال توفيق من علو 25 سنة على رأس الجهاز، بهذه السهولة، وهو من ينسب له صفة “صانع الرؤساء”، فرضا إن كان هناك فعلا صراع بينه وبين الرئاسة، مهما تاهت تخمينات الصراع في روايات متناقضة، لكن تسلسل الأحداث في علاقة الرئيس بالجهاز منذ تواجده في باريس للعلاج، بدءا من يوم 27 أفريل 2013، يؤشر على مسعى للرئاسة لوضع حد لفصول هيمنة المخابرات على الدولة، ورثت عن نظام ما بعد الاستقلال، وقد عبر عن ذلك عمار سعداني لما انتفض على الجنرال توفيق، وحمله مسؤولية “مصائب” في البلد، وبـ”الفشل في حماية الرئيس بوضياف الذي اغتيل بعنابة عام 1992، والفشل في حماية الرهبان الفرنسيين في دير تيبحيرين، ومنشآت الغاز في الجنوب، والموظفين الأمميين في الجزائر، وقصر الحكومة الذي استهدف في سنة 2007”.تصريحات سعداني لم تكن “يتيمة” ولكنها تعززت بمراسيم رئاسية، أقرت عكس ما تردد من أن مساعي “عبثية” يقوم الرئيس بها لتحجيم هيمنة المخابرات، ومثل ذلك إلغاء الرئيس، بمرسوم حمل رقم 309/13، المصلحة المركزية للشرطة القضائية التابعة لجهاز المخابرات بعدما أنشأها بمرسوم 9 فيفري 2008، وسحب التحقيق في قضايا الفساد، خاصة ما تعلق بالجرائم الاقتصادية الكبرى، من الجهاز، ثم حل جهاز وحدات التدخل السريع “قوات النخبة” التي كان يشرف عليها الجنرال توفيق، وقال بشأنها أحمد أويحيى، في ندوته الصحفية، أول أمس، إن الظروف التي أوجدتها لم تعد قائمة.سلسلة الإحالات على التقاعد وإنهاء المهام عرفت منحى لافتا منذ شهر جويلية 2014، عندما أحال الرئيس، شهر جويلية 2014، عددا من كبار الضباط والقادة في الجيش الوطني الشعبي، منهم 5 ضباط سامين يحملون رتبة لواء، من بينهم لواءان في جهاز الأمن والاستعلامات، وهما عثمان طرطاڤ، المعروف باسم “بشير” القائد السابق لمديرية الأمن الداخلي، الذي حل محل الفريق توفيق، واللافت أن عثمان طرطاڤ مكث بالتحديد 12 شهرا كمستشار بالرئاسة، فقد نصب يوم 13 سبتمبر 2014، بالقرب من الرئيس بوتفليقة، ثم عين في نفس اليوم بعد عام فقط، مسؤولا أول عن جهاز المخابرات (13 سبتمبر 2015)، كما سبق للرئيس أن أحال اللواء رشيد لعلالي، المعروف باسم “عطافي” المسؤول السابق لمديرية الأمن الخارجي على التقاعد في جويلية 2014، وذلك أياما قليلة بعد أن وقع الرئيس مرسوم تقاعد كل من اللواء مهنا جبار، القائد السابق لمديرية أمن الجيش، والجنرال شفيق، مسؤول التحقيقات الاقتصادية ومكافحة الفساد بجهاز “دي آر آس” وكذلك الجنرال عبد القادر آيت وعراب، المعروف باسم الجنرال حسان، مسؤول مديرية مكافحة الإرهاب سابقا، الموقوف والموجود رهن المتابعة القضائية من قبل القضاء العسكري بالبليدة، وقد أوقف منذ أسبوعين ببيته بشاطوناف بالعاصمة، تحت طائل تهم وصفت بالخطيرة، بينما يعرف عنه قربه من الفريق محمد مدين، كما طال قرار الرئيس العقيد فوزي، مسؤول مركز الاتصال والبث ببن عكنون في الفترة ذاتها.لم تتوقف آلة الرئيس بوتفليقة، عام 2014، فقد جدد ماكنتها، بإنهاء مهام الجنرال عبد الحميد بن داوود، أوت المنصرم، بعدما كان مدير مكافحة التجسس وكذلك الجنرال جمال كحال مجذوب، مدير الحماية الرئاسية، بينما ألحقت الحماية الرئاسية بهيئة أركان الجيش، تحت الإشراف المباشر للفريق ڤايد صالح.الفريق ڤايد صالح نصب اللواء مناد نوبة، القائد الجديد للدرك الوطني، صباحا، خلفا لأحمد بوسطيلة، المحال على التقاعد منذ أسبوع، ثم أعلن، مساء، عن تنصيب الجنرال عثمان طرطاڤ خلفا للفريق محمد مدين، ببيان لوزارة الدفاع الوطني، تعزز بإعلان رئاسي، لتأكيد أمر “كان مقضيا”.هل انتهى ما يسميه الفرنسيون، وهم أكثر متابعة للحاصل الرئاسي المخابراتي بالجزائر، بالنظام “ثنائي القطبية”، بإحالة الفريق توفيق على التقاعد؟ صحيفة “لوفيغارو” قالت في تقرير لها، عقب حل الرئيس بوتفليقة جهاز “النخبة” في “الدياراس”، إنه ورغم ذلك، فإن “المخابرات الجزائرية لا زالت دعامة بقاء النظام الجزائري على حاله رغم الحملات المباشرة التي تقوم بها الرئاسة ومحيطها”. والفرنسيون، في ما تعلق بالجانب الجزائري، “نشطاء” لا يتراخون، وهم الذين نقلوا ما وصفوه بحادثة “كلود غيون”، وزير الداخلية الفرنسي، في كتاب “الجزائر باريس.. علاقة حميمية” لمؤلفيه كريستوف دوبوا وماري كريستين ثابت، حيث يروي مؤلفا الكتاب كيف ساءت العلاقة بين بوتفليقة ونظيره الفرنسي، بعد أن سعى وزير الداخلية، كلود غيان، لمقابلة الجنرال توفيق، مستغلا زيارة في إطار التعاون الثنائي. وفي هذا الصدد، يذكر الكتاب أن الرئيس بوتفليقة رفض استقبال كلود غيان، وأنه قام بتبليغه ذلك بعبارة “لقد اخترت معسكرك”، في إشارة إلى الجنرال توفيق، الذي كان يلتقي به بمناسبة زياراته إلى فرنسا إبان تولي كلود غيان منصب أمين عام الرئاسة الفرنسية. كما كان الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، يصر على لقاء الجنرال توفيق، لما كان وزيرا للداخلية، خلال زياراته للجزائر، حسب المؤلف.بوتفليقة هو أكثر الرؤساء جهرا بما يريد، قال في 1999 “لا أريد أن أكون ثلاثة أرباع رئيس”، ولما اعتلى سدة الحكم هاجم الجنرالات في خطاب جاهر، فلم تكن قصته معهم “حميمية”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: