+ -

هدأت عاصفة المتضامنين مع “القرصان” حمزة بن دلاج في الفضاء الافتراضي، فتشكلت في أذهان الجزائريين علامات استفهام كبيرة حول حقيقة “مجتمع القراصنة” وعقلية أفراده ومدى نفوذهم.. “الخبر” غاصت في هذا العالم رفقة “محمد. لـ” وهو قرصان محترف يعمل مهندس تأمين المعلومات لحساب شركة دولية تشتغل على تحصين مواقع حكومية وخاصة بالجزائر من الهجمات الالكترونية وتمتين منظوماتها الرقمية تدعى “أنترفال” أي “الفجوة”، فباح بأسرار عالم موازي مدجج بآلاف القراصنة وبملايين المعلومات. في إحدى شوارع مدينة سطاوالي بالعاصمة، اتخذنا من مقهى شعبي مقرا للقاء هاكرز يدعى “محمد.ل” الذي كشف أن منفذ رقمي في موقع غير مؤمن جيدا، يتيح لمن له مستوى عال في التعامل مع الإعلام الآلي اختراق حاسوب معيَّن ومنه يستطيع الولوج إلى باقي الأجهزة المرتبطة معها في نفس الشبكة.كشف الهاكر محمد الذي كان رفقة صديقيه، بأن 90 بالمائة من المؤسسات الحكومية بالجزائر غير محصنة إلكترونيا، لكن لم تتعرض لهجمات أو اختلاسات، بسبب عدم وجود نظام الدفع أو التسوق الالكتروني، وكذلك لعدم ارتباطها بشبكة الأموال العالمية، بالإضافة إلى البنوك التي تتعامل إلكترونيا، وهو المناخ المعتدل الذي يتكاثر فيه القراصنة، حيث يخترقون الأنظمة البنكية وينشئون حسابات إلكترونية ويحوّلون لها الأموال.هكذا تتم القرصنةكان محمد ينطق بكلمات متناهية الدقة ومنتقاة بعناية، توحي بأنه ملمّ بالموضوع جيدا، وذكر أن الهاكرز في الجزائر ينظر إليه بعين سلبية، في حين يعتبر في نظر الدول المتقدمة بمثابة حصن توظفه الشركات التي تعتمد على الشبكة العنكبوتية في نشاطها للاحتماء به.ويواصل محدثنا أن القرصان باستطاعته التحايل بالدخول إلى عمق أي موقع إلكتروني تجاري غير محصّن جيدا، وباعتبار أن المواقع في حقيقتها تكون في شكل آلاف الأرقام، يشرع القرصان في البحث عن الأرقام المسؤولة عن أسعار المعروضات ومن ثم تعديلها قصد تخفيض السعر المدوّن على الشاشة الخارجية، ومن ثم يشتريها بثمن رخيص.ومن الحروب التي يخوضها القراصنة هي العابرة للقارات والحدود، وكادت أن تتسبب في حرب بين أمريكا والصين وهي الجوسسة وتعطيل المنظومة الإلكترونية للمؤسسات وتسمى “حجب الخدمة” وهو شبيه بما تعرضت إليه مواقع القناة الفرنسية “تي.في.5 موند” مؤخرا، هنا يقوم القرصان بتوقيف المحتوى الحقيقي الذي تبثه المواقع الإلكترونية مع الاحتفاظ فقط بالواجهة التي تظهر في ­­­الشاشة ومنها يتصرف بتدوين ما يشتهيه أو إدراج مقاطع فيديو حسب توجهاته السياسية أو الفكرية أو الثقافية.وخلف نظارات طبية حدّقت فينا أعين صديق محمد وتدخّل مقاطعا .. “إن استدراج الأشخاص والاستيلاء على معلوماتهم الشخصية والالكترونية أمر بسيط، وتتم من خلال عرض واجهة موقع التواصل الاجتماعي مزيفة، هنا يظنها المستخدم صحيحة ويبدأ في تدوين كلمة المرور السرية، دون أن يعلم أن المساحة التي يكتب فيها مزيفة، وهي فخ لسرقة كلمة المرور، ويمكنه أن يتأكد من أن واجهة حسابه حقيقية من خلال معاينة الرابط الظاهر في أعلى الشاشة حيث يكون نفسه دائما”.أخطر عمليات القرصنةعاد محمد يتكلم بلغة الواثق من نفسه، موظفا مصطلحات تقنية باللغة الانجليزية، مما أوحى لنا بأنه ماسك بخيوط القرصنة جميعها وملمّ بها، هنا سكت لفترة وجيزة ثم تابع يبسط ويترجم حتى نتمكن من إدراك حقيقة الفضاء الافتراضي الذي يسبح فيه يوميا، واستيعاب وظائف القرصنة التي قد يتعرض إليها في أي وقت.واصل القرصان “كلمة السر التي يلج بها روّاد الانترنيت حساباتهم الشخصية، موجودة في مكان ما بجهاز الحاسوب، لأن أية قبسة زر تترك أثرا على مستوى ذاكرة الكمبيوتر، وبمجرد الارتباط مع الشبكة العنكبوتية يمكن للقرصان تقفي تلك الآثار في إطار طريقة تدعى “باك دور” ومعرفة ما جرى من قبل، ومنها إمكانية استرداد كل ما تم كتابته بل تعديل او تغيير او إضافة المعلومات وناهيك عن السيطرة على كل أدوات الجهاز من مكبر الصوت والكاميرا، ليبقى المستعمل رهينة في يد القرصان كلما بقي مرتبطا بالانترنيت.وحول هذه النقطة، قال هاكرز آخر يسمى فاروق جنرال من ورڤلة، إن القرصنة ليست السطو على حساب “فايسبوك” أو “تويتر”، وإنما هي عملية منظمة وحالة تفكير يتسم بها مجتمع القراصنة وتوفر لهم متعة ولذة ويتسابقون في هدم أكبر المواقع حصانة.الهندسة الاجتماعية .. مفتاح اللغزويصطاد القراصنة ضحاياهم بانتهاج طريقة تدعى الهندسة الاجتماعية، إذ يوهمون رواد مواقع التواصل الاجتماعي بأنهم شركات أطلقت عروض مغرية وتشترط وضع كل البيانات الشخصية للاستفادة من تلك العروض، ومن ثمّ يتابع المتقدم الإجراءات على أمل الحصول على تلك العروض، قبل أن يتم توظيف تلك المعلومات في إطار عمليات قرصنة.كما تعتمد هذه المقاربة على استدراج المشاركين في “تويتر” و«فايسبوك” بإرسال طلبات صداقة، ومن ثم تسيير العلاقة نحو ربط علاقة حميمية قصد تحصيل معلومات دقيقة على الآخر ومن ثمّ استعمالها في صفقات أو إنشاء علاقات.هل حمزة بن دلاج قرصان؟يعتقد محدثنا، أن جميع المعطيات تشير إلى أن الجزائري حمزة بن دلاج وقع ضحية قرصنة عالمية، مستدلا في حديثه على أن القرصان عندما يقوم بتحويل الأموال يكون قد هيأ الأرضية باسم شخص آخر وليس باسمه، خاصة وأنه يعي جيدا أن أجهزة الإعلام الآلي تحتفظ بجميع آثار العمليات التي أقيمت على الأجهزة الالكترونية ويتوجّب عليه محوها بعد استعماله للجهاز.كما دعّم المتحدث رؤيته بتصريحات والدة حمزة التي ظهرت في إحدى القنوات الخاصة، وصرحت أن ابنها يقضي أقل من 3 ساعات أمام شاشة جهاز الإعلام الآلي، وهي المدة التي لا تكفي الهاكرز للإبحار في عالم الأرقام بتاتا. ونفى المتخصص بأمن المعلومات، شهاب نجار، في تصريح لـ جريدة “العربي الجديد” كل الأخبار المتداولة بشأن بن دلاج، وأكد أنها كلها كاذبة، مشيرا بأن حمزة طوّر فيروس “زيوس” وأضر الملايين ولم يقم بتحويل الملايين للجمعيات”. وأضاف نجار: “وسائل الإعلام وبهدف نيل السبق الصحفي جعلت من حمزة بن دلاج الرجل الحديدي”.يصنفون بلون القبعاتتتحدد هوية المنتسبين إلى مجتمع القراصنة حسب ألوان القبعات، فالسوداء تشير إلى أولئك المخربين ومنفذي الهجمات الالكترونية والمفسدين الذين يرتعون في الفضاء الالكتروني فسادا ويعطّلون مواقع الشركات، كما يستغلون نفوذهم في الدفاع عن الألوان الوطنية أو قضايا تشغل الشعوب الصديقة ضد دول يعتقدون أنها عدوة.وهناك من يوصفون بأصحاب القبعة الرمادية، وهم أقل ضررا من السابقين، ويكتفون بالتجسس على حسابات الأشخاص أو المؤسسات بدافع الفضول ودون المساس أو تعديل أو سرقة مضامينها، وهذا بصفتهم موظفين في شركات تحصين تتعاقد من مؤسسات عمومية وخاصة بغرض تأمين تواجدهم الالكتروني.أما من ينعتون بالقبعات البيضاء، فهم أخيار في قوانين هذا المجتمع، فهم يعملون لحساب شركات تحصين وتأمين ويتسمون بأخلاق عالية ولا يهاجمون أحدا رغم قدرتهم على ذلك.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: