+ -

في قراءة متأنية للحدث الكبير، وهو تنحية الفريق محمد مدين، من رئاسة المخابرات، تقفز مجموعة من الملاحظات بخصوص الطريقة التي اتبعتها رئاسة الجمهورية في إحداث التغيير داخل أحد أهم الأجهزة في البلاد.استند بيان الرئاسة، الصادر في 13 سبتمبر 2015، المتعلق بإنهاء مهام مدين، إلى المادة الدستورية 77 فقرة 1 التي تتحدث عن رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. توظيف هذه الصفة (وليست وظيفة) ليس في محله، لأن كل القوانين التي تضبط التعيينات وإنهاء المهام في الجيش، لا تشير إلى القائد الأعلى للقوات المسلحة وإنما إلى رئيس الجمهورية بدرجة أولى أو وزير الدفاع. فلماذا أقحمت الرئاسة هذه الصفة في البيان؟ هل في ذلك رسالة معينة؟واستندت وثيقة الرئاسة أيضا إلى المادة 78 فقرة 2 من الدستور، وتتعلق بصلاحيات الرئيس في التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية. غير أنها لا تنطبق على مدين، وكان على من كتبوا البيان اتخاذ الفقرة 8 من نفس المادة كمرجعية، وتتعلق بتعيين مسؤولي أجهزة الأمن، لأن توفيق أول مسؤول بأجهزة الأمن في البلاد. ثم لماذا لم يتم الاكتفاء ببيان الرئاسة، وإضافة بيان ثان صدر عن وزارة الدفاع يتناول إشراف رئيس أركان الجيش، بناء على تعليمات من الرئيس، بتنصيب عثمان طرطاڤ خلفا لمدين؟ هل في ذلك رسالة معينة؟جزئية أخرى في بيان الرئاسة تستوجب التوقف عندها. الرئيس لا يملك صلاحية إحالة توفيق على التقاعد، لأن الحق في الاستفادة (وليس الإحالة الإجبارية) من التقاعد تنظمه أحكام الأمر الرئاسي رقم 06 ـ02 المؤرخ في 28 فيفري 2006، الصادر في أول مارس 2006 (الجريدة الرسمية رقم 12)، يتعلق بالقانون الأساسي للمستخدمين العسكريين. فهذا النص يضع شروط استفادة العسكري، مهما كانت رتبته، من التقاعد ومتى تنتهي خدمته في الجيش.وفي حالة محمد مدين كضابط برتبة فريق، حدود التقاعد محددة بموجب المادة 20 من النص القانوني وهو 64 سنة. وبما أن مدين تجاوز هذه السن بـ12 سنة، فقد استفاد، على ما يبدو، من مضمون المادة 21 من النص التي تقول إن الرئيس بإمكانه التمديد للضباط العمداء والسامين، الذين يشغلون وظائف عليا في السلم التسلسلي العسكري. معنى ذلك أن مدين مستفيد آليا من الحق في التقاعد، وليس للرئيس أن يحيله عليه. وينطبق وضعه على رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد ڤايد صالح، وقادة النواحي العسكرية وقادة القوات الذين تجاوز معظمهم سن التقاعد.في موضوع إنهاء المهام دائما، لم تنشر الرئاسة بيانا عند تنحية قائد الدرك الوطني، الفريق أحمد بوسطيلة، عكس ما جرى مع مدير دائرة الاستعلام والأمن، الفريق محمد مدين، مع أن الجهاز الأول أهم من الثاني بحكم تعداد الأفراد وحجم القوة المادية، ومن حيث أنه قوة عمومية ويملك صلاحية حفظ النظام، وله مهام الشرطة القضائية المدنية والعسكرية. والجهازان تابعان للدولة، وبوسطيلة ومدين لهما نفس الرتبة، فلماذا التعامل معهما بمقاييس مزدوجة؟ هل في ذلك رسالة معينة؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: