+ -

 “إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده”.. مثل شائع يمكن إسقاطه على ظاهرة استفحلت مؤخرا ووجدت من يروج لها في أوساط العديد من المسؤولين على مختلف المستويات والرتب، الأمر الذي جعل هذه الظاهرة التي كانت تشكل في السابق محطة لإسداء الشكر لمن كلل مسارهم المهني والاجتماعي والفكري بالكثير من الإنجازات تتحول إلى محطة لكل من هب ودب، حتى أضحت حفلات التكريم غاية في حد ذاتها، تتخذ من “كرمني ونكرمك” شعارا لها، بل تكاد تكون “عقيدة”  بعدما كانت وسيلة وكفى. لم تعد محطات التكريم التي كانت في الماضي نادرة الوقوع  تقتصر إلا على تلك القامات التي قدمت الكثير من العرق والجهد في مجالات اختصاصها، بل تحولت هذه الأيام إلى ظاهرة مجتمعية باتت تستوجب إنجاز دراسات اجتماعية ونفسية حول أسباب استفحالها بالمعنى الذي أفقد هذه الأخيرة المغزى من وراء هذه المحطات التي ترتكز أول ما ترتكز على بعض الخصال النبيلة التي تتخذ من معاني العرفان بالجميل أساسا لها ومن الشريعة السمحاء القول “للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت”.وزراء ومسؤولون وتكريمات على وقع من “لحيته بخرلو”لم يسبق أن زار وزير ولاية المسيلة، مثلا، أو انتقل مسؤول منها في إطار أي حركة عادية أو استثنائية، دون أن يقرر له يوم تكريمي يحفل بالبعض من خطب التزكية والإشادة وبكثير من الهدايا التي عادة ما تصل قيمتها إلى عشرات الملايين، إلى هنا الأمر ظل في العرف والتقاليد يبدو عاديا لدى الكثير من أصحاب هذه المبادرات والمشرفين عليها، والتي عادة ما يضعونها في خانة “الكرم الحاتمي”، الذي دأبت عليه هذه المدينة أو تلك، لكن أن يتحوّل هذا الكرم إلى أداة لتكريس المثل الشعبي القائل “من لحيتو بخرلو” فهذا ما لم يعد مستساغا لدى الكثير، واستوجب تحليلا مستفيضا لمحطة استفرغت في السنوات الأخيرة من محتواها، وباتت لكل من هب ودبّ، وتحوّلت إلى ظاهرة، وأي ظاهرة..فاشلون في تسيير قطاعاتهم وآخرون فُصلوا لهم أيضا نصيبيعتبر البعض ممن رصدنا آراءهم حول ظاهرة التكريمات الجزافية التي صارت تزدحم بها العديد من الهيئات والمنظمات وغيرها، وتحولت إلى ركن ركين في منظومة تسيير الدولة الجزائرية على مختلف المستويات والأصعدة، أن هذه الأخيرة أضحت تؤرخ للفشل وترافع لأجله، وإلا فبماذا يفسر أن يتم تكريم مسؤول فشل في تسيير قطاعه؟ أو أن يحظى آخر باحتفاء في وقت تم إصدار قرار بفصله من منصبه للسبب ذاته؟مسؤولون خرجوا من النافذة وهيأ لهم البعض أن الخروج كان من الباب الواسع بفضل حفلات احتفاء وتكريم نخب فشلهم يستعملونها كشهادات للعودة من أبواب أخرى. ألم تتحول هذه الظاهرة إلى محاولات لتبييض صور المسؤولين، بعدما كان التبييض تهمة لها صلة بالمال فقط؟ أو ليس كذلك أن تستعمل موائد التكريم هذه إلى محل شبهة يلاحق بها المكرّمون عن تهمة التبييض، لكن هذه المرة تتعلق بالوجوه والسير وليس بالأموال ونحو ذلك؟بين برنوس الوبر وطاقم القهوة.. بون شاسع بين المثقف والوزيرتختلف طبيعة الهدايا التي تقدّم لوزير عن تلك التي تقدم لمثقف، يقال إن الفرق بينهما بون شاسع، ولا يمكن معرفة مدى هذا البون إلا في مخيلة القائمين على الحفل الذين عادة ما يجزلون العطايا وفق ما يتناسب وحجم مسؤولية هذا عن ذاك أو ما تقتضيه المصلحة. وزراء مروا على ولاية المسيلة، التي أخذناها كنموذج فقط، وعادوا بالخير الوفير وهنا حجة الكريم، “مشروع قيد التسجيل”، أو لفتة للتوسط يوم الوعيد وغير ذلك، وأطقم لشرب القهوة والماء لصحفيين حرثوا إقليم الولاية حرثا وحظهم في ذلك سلطات تحت طائلة “مكره أخاك لا بطل”.وهنا تحضرني واقعة لم تعد سرا مع طول الأيام، عندما همّ أحد المسؤولين بإسداء تكريم لأحد الوزراء أمام والي الولاية، وقال لأحد مستخدميه بأن يشملوه هو كذلك بتكريم شريطة أن يطلبوا الوزير ليقدم له هديته ويلتقطوا له صورة معه، وأسر لأحد مقربيه أن الغاية ليست في الهدية بحد ذاتها، بل في الصورة التي تعد بالنسبة إليه شهادة لمغانم أخرى على الطريق. جمعية تخرج عن المألوف وتكرم عاملة نظافةكان أحسن وأرقى تكريم حضرته مؤخرا عندما قامت جمعية تدعى “الجمعية الجزائرية للتنظيم العائلي”، عبر مكتبها الولائي بالمسيلة، بإسداء شهادة شرفية مشفوعة بهدية قيّمة لإحدى عاملات النظافة بإحدى المؤسسات الاستشفائية. وقالت رئيسة الجمعية: “إننا تعودنا على تكريم أطباء ومسؤولين، كل في اختصاصه، وتعوّد الناس خارج هذه القاعة ألا يكون التكريم إلا لعلية القوم، لكننا كثيرا ما ننسى من تسببوا في منحنا نعمة الوقاية من الأمراض وحوّلوا فعلا شعار “لا صحة بلا نظافة” على أرض الواقع إلى حقيقة، هؤلاء الأجدر بالتكريم وما أكثرهم في مواقع العمل المتعددة”.إلى هناك يمكن القول إن شعار “كرمني ونكرمك” خرج عن المألوف بالفعل، وتخلص من ذاك الشعار الذي يحمل المفردات نفسها، ولكنه حكم عليه متلبسا بسوء النية ولعنة تبادل المصالح والمنفعة الخاصة ونحو ذلك.حفلات التكريم.. هل تدخل هي الأخرى دائرة التقشف؟يتساءل البعض حول ما إذا تكون هناك تعليمة يرتقب صدورها من الحكومة تشدد فيها على الولاة بضرورة الوقف الفوري لحفلات التكريم التي كانت سائدة منذ سنوات، والتي واكبت زمن البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي. ظاهرة أضحت مقننة في الميزانيات الأولية والإضافية للولايات، فضلا عن الحساب الإداري للبلديات وغيرها من الهيئات التنفيذية، حتى إنها باتت تشكل رقما فاعلا فيها وبندا لا يمكن الاستغناء عنه، باعتبار، كما أشار بعض هؤلاء، أن سياسة التقشف التي أعلنت عنها الحكومة مؤخرا، بالتوازي مع انهيار أسعار البترول في السوق العالمية، بات من الضروري معها غلق الباب أمام هذه الظاهرة إلى حين ينكشف الخيط الأبيض من الأسود في هذا الخصوص. ومع ذلك يمكن القول إن الكثير من الولاة والمسؤولين بات مؤسفا لديهم هذا “الغلق الإجباري”، الذي كان يدرّ عليهم الهدايا المنقولة المعتبرة وذات القيمة المالية الكبيرة، إلى جانب أنها كانت تعد من جانب آخر مصدرا لتبييض الصور وحالات إرشاء مقننة للبعض، ومطية لشراء صمت المنتقدين والمشاكسين ونحو ذلك، وهي هوة سقط فيها حتى الوزراء إن لم نقل، بغير مبالغة، لم يسقط في “براثنها” إلا النزر القليل.لا نكرم إلا من نريداحـــــــــذروا التقــــــــــشف!بمجرد إعلان الحكومة عن تبني الجزائر لسياسة التقشف، بدأ الشعب يتساءل عن الوزارت والقطاعات المعنية بهذا الإجراء الذي أخذ حيزا كبيرا من الاهتمام والسخرية وسط الشعب، إذ لم يتمكن من فهم “سياسة التقشف” المتناقضة التي تنتهجها الدولة، حين تصرف الملايير مرة من أجل تظاهرات وحفلات تكريمية لوجوه معينة، ثم تعود وتعلن تقشفها عندما يتعلق الأمر بفئة أخرى.تصريح وزير الثقافة، عز الدين ميهوبي، مؤخرا، لوسائل الإعلام، أن تنظيم المهرجانات الثقافية في الجزائر سيكون مستقبلا كل سنتين عوض سنة، في إطار مخطط ترشيد وتسيير الميزانية الخاصة بالقطاع، يؤكد أن وزارة الثقافة، التي تعتبر من أكثر الوزارات التي تثير ميزانيتها جدلا واسعا وسط الجزائريين، قد شرعت فعلا في ممارسة سياسة التقشف بعدما ظلت لفترة طويلة تصرف الملايير من أجل تنظيم تظاهرات ثقافية يدور حولها الكثير من الجدل، والتي تتخللها عادة حفلات تكريم لشخصيات وطنية وأجنبية بمستويات متباينة تثير هي الأخرى موجة واسعة من الجدل نفسه.وكان الوزير ميهوبي قد ذكر، في تصريحاته، أنه سيمنح، مستقبلا، تسيير المهرجانات للخواص من أجل  تسهيل المراقبة في الشكل والمضمون، من أجل تفادي تكرار ظهور الوجوه نفسها في المناسبات الثقافية، ومنح الفرصة للأسماء الأخرى للظهور وتقديمها للجمهور، في اعتراف صريح منه بفشل وزارة الثقافة سابقا في تسيير المهرجانات التي تضخ لأجلها الملايير، وإقصاء الوجوه الجديدة على حساب القديمة التي تنفرد بالتكريمات في مناسبة أو أخرى.ومن النقاط التي تحدثها عنها الوزير دعوة رجال الأعمال والصناعيين والممولين إلى تقديم مساهمتهم في تمويل الأحداث الثقافية، لاسيما المهرجانات، بدل أن يقتصر الأمر على أموال الدولة، التي يبدو أنها قد تقشفت فعلا مع وزارة الثقافة التي بدأت تظهر عليها بوادر الأزمة المالية.غير أن هذا الوضع، لا يجيب عن تساؤلات الجزائريين حول مصير ميزانية وزارة الثقافة التي لا تعكس مستوى الثقافة ولا المثقفين في الجزائر، فالقطاع الذي كان يصرف مبالغ مالية طائلة يشتكي أهله باستمرار من الإقصاء والتهميش قبل وبعد التقشف، حيث لم يحصل أغلب المثقفين والمبدعين على أبسط حقوقهم في تكريم مشرف يليق بهم، ووجدوا أنفسهم بدل ذلك يدفعون تذاكر سفرهم من جيوبهم من أجل المشاركة في إحدى هذه المهرجانات، وفي أحسن الأحوال يحظون بإيواء في فنادق رخيصة ووجبات أكل غير محترمة.  وتظهر العشوائية والتلاعبات في صرف ميزانية المهرجانات، من خلال تصريح الوزير، الذي أكد فيه أن “التمويلات التي ترصد للمهرجانات ستمنح من الآن فصاعدا وفق بعض المعايير، منها على الخصوص الاحترافية ومفعولها على الجمهور”. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يكشف المتحدث ذاته عن بعض الألاعيب في القطاع، كتنظيم مهرجانات لا تمثل أي حدث للجمهور، وتستغرق أسبوعين بدل أسبوع واحد وغيرها من طرق إهدار المال الذي يفترض أن يوجه لأهل القطاع والفاعلين فيه.   الوضع الذي تحدث عنه ميهوبي، وهو العارف بخبايا قطاع الثقافة، تحت عنوان “ترشيد النفاقات” يثير “سخرية” أهل القطاع الذين يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالتقشف لأنهم لم يكونوا أيضا معنيين بالبحبوحة المالية للوزارة المعنية، حيث لا تمثل هذه المهرجانات لغالبيتهم أكثر من فرصة للقاء بعض الأصدقاء والزملاء وحضور بعض التكريمات الرمزية لا تليق بالشخصيات الثقافية، متمثلة أساسا في شهادات ودروع لا تتجاوز قيمتها ألف دينار، وهو ما يجعل الحديث عن التقشف أمرا مسليا أكثر منه جديا. وهنا يقول “أ. أحمد”، شاعر من عنابة: “مؤسسات الدولة الثقافية، أي المديريات والمسارح والمراكز الثقافية وغيرها تملك ميزانية محترمة تسمح لها بتكريم أهل القطاع، وهذا لا يحدث أبدا”. ويضيف المتحدث: “تتم دعوة شاعر من ولاية بعيدة لإلقاء شعره، ولا يكرم بفلس واحد، في حين يتم دفع الملايين لجلب مغن أو راقصة، ألا يفترض أن يكرم مثلهما أو أحسن؟”. من جهتها تقول آمال، كاتبة مسرحية: “في كل مرة أشارك في حدث ثقافي أحصل على محفظة، الآن مع التقشف ربما لن نحصل عليها!”.هم شيء ونحن شيء آخريحدث هذا التهميش والإقصاء للمثقفين الجزائريين من التظاهرات الثقافية بالموازاة مع التكريمات الخاصة التي يحظى بها فنانون عرب وأجانب، حيث كانت قضية تكريم الفنانة المصرية ليلى علوي بـ«برنوس من الذهب”، في الطبعة السابقة لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، قد أثارت ضجة كبيرة عبر وسائل الإعلام وفي مواقع التواصل الاجتماعي أيضا، وفتحت بابا واسعا من التساؤلات حول مفهوم التقشف الذي يتحدث عنه المسؤلون، ما دفع محافظ المهرجان، إبراهيم صديقي، للكشف أن سعر البرنوس لم يتجاوز 11 مليون سنتيم. ومع ذلك اعتبرت فئة كبيرة أن المبلغ المذكور كبير مقارنة بالهدايا الرمزية والمحافظ التي يتم تقديمها للمثقفين المحليين، وفي حالة التكريم ماديا تنحصر هذه المبالغ ما بين خمسة آلاف إلى 30 ألف دينار كأقصى تقدير.ويؤكد شريف روان، كاتب، في حديثه لـ”الخبر”، أن ما يحصل عليه الكتاب والشعراء، مقارنة بالمغنين إهانة كبيرة، معلقا: “على أكثر تقدير يكرم المثقف بـ3 آلاف دينار من قبل مديريات الثقافة وباقي المؤسسات”. وعن سياسة التقشف يقول شريف: “لن يمس المثقف لأنه أصلا مهان بسياسة التقشف أو بغيرها، وسواء ارتفع سعر البترول أو انخفض فلم ولن يتغير شيء”.ولم تكن حالة ليلى علوي الأولى التي تثير كل ذلك اللغط، وإنما عرفت قضية استقدام نانسي عجرم للغناء في الجزائر مقابل 4 ملايير ضجة مماثلة، وقبلها كان قد أثار استدعاء إليسا إلى عنابة بمليار سنتيم المستوى نفسه من الجدل والسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى نكت يتداولها الشباب: “دراهمك أداتهم إليسا”.من جهة أخرى، يعكس الوضع الذي عاشه الروائي حبيب السايح في مهرجان وهران الهوة الواسعة في تكريم الأجانب مقارنة بالجزائريين، حيث انسحب السايح من ملتقى السينما والرواية التي ينظّم على هامش مهرجان وهران للفيلم العربي بسبب “المعاملة غير اللائقة”، كما أسماها، حيث تفاجأ بعد تلبيته للدعوة، وبعدما أكد له المكلفون بالتنظيم إجراءات الحجز على الطائرة والفندق والمكافأة المالية مقابل مساهمته، بأن الحجز على الطائرة كان مغايرا لمسار رحلته، وأنه انتظر ساعتين قبل أن يتمكن من الحجز في الغرفة بعد وصوله إلى وهران، قبل أن يتم إخباره بأن المكافأة المالية غير موجودة، ليغادر بعدها الملتقى بعد ثلاث ساعات من وصوله. وكان الكاتب نفسه قد استنكر، في أكثر من مرة، ما يقوم به بعض الأساتذة الجامعيين والكتاب الذين يقبلون بالتنقل على حسابهم وأن ينتظروا أكثر من عشر ساعات لأخذ غرفة وأن يقدموا مداخلات من دون أن يطالبوا بتعويض عن جهدهم.موضة تكريم الصحفيينعكس ما يحدث في قطاع الثقافة، يعرف قطاع الصحافة انتعاشا ملحوظا في تكريم الصحفيين الذي كان ينحصر في ما سبق في اليوم العالمي لحرية التعبير، حيث نشهد حاليا انتشار موضة تكريم الصحفيين من قبل شخصيات ومؤسسات متعددة، وإطلاق جملة من الجوائز لفائدة هذه الفئة التي ظلت حتى وقت قريب غير معنية بتكريمات كهذه. ومن أهم مظاهر هذه الموضة الجائزة السنوية التي أطلقها حزب سياسي، وأيضا من المنتظر الإعلان عن الفائزين بجائزة “رئيس الجمهورية للصحفي المحترف”، والتي تم تحديد موضوعها بـ«الجزائر مثال للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”، وتتمثل في منح شهادة تقديرية ومكافأة مالية تقدر قيمتها بـ1.000.000 دج للفائز الأول و500.000 دج للفائز الثاني، و300.000 دج للفائز الثالث من الفئات نفسها، في حين تقدر القيمة المالية لجائزة الصورة بـ100.000 دج لأحسن صورة فوتوغرافية أو رسم صحفي أو كاريكاتوري.وعن هذه المبادرات التكريمية يقول الصحفي حمزة كحال لـ«الخبر”: “كصحفي أرحب بأي مبادرة تنزل الصحفي منزلة لائقة، لكن دون تسييس، ودون وضع خطوط حمراء، ودون إقصاء”. وعن جائزة الرئيس وموضوعها المحدد بالتنمية يضيف المتحدث: “أظن أن من سمح بسجن صحفيين دون أن يوضح الأمر لأي وسيلة وطنية ويمنع الإشهار عن بعض الجرائد لأنها تعارضه، لا يكرم الصحفيين بجائزة. التكريم الحقيقي بالابتعاد عن هذه الممارسات”.من جهته، يعتبر الكاتب والإعلامي بحري حمري أن قيمة الجوائز غير لائقة أبدا، معلقا في حديثه لـ«الخبر”: “الدولة تصرف الملايير في الحفلات، والجائزة بخمسين مليونا واللّه ما يحشموا”. معتبرا هذا استهزاء بالصحفي كمثقف، مضيفا: “بعض الجوائز يصح تسميتها جائزة تنمية الرداءة”. ويؤكد الكاتب والإعلامي كفاح جرار ما ذهب إليه حمري في حديثه لـ«الخبر”، بأن الجائزة التي قيمتها أقل من مليون دينار ليست محترمة، مضيفا: “الكثير من المهازل في هذه الجوائز والتكريمات، خاصة أن المكرمين يحصدونها بسبب المحاباة وأشياء غير مفهومة”، معتبرا أن موضة تكريم الصحفيين ما هي إلا محاولة لرفع بعض الصحفيين على حساب آخرين، وتزكية غير شرعية لبعض الأسماء، لأن الإعلامي الحقيقي يزكيه عمله، حسبه، وليس جائزة.تكريم في إطار التقشفيبدو أن التقشف قد مس أيضا الطلبة المتفوقين في شهادة البكالوريا، لكن بنسب متفاوتة، أي حسب الولاية المعنية، حيث حصل المتفوقون في الولايات الشرقية مثلا على جوائز من قبل الولاة تتمثل في مبالغ مالية تقدر بـ100 ألف دينار بالنسبة لصاحب المرتبة الأولى و50 ألف دينار بالنسبة للثانية و30 ألف بالنسبة لصاحب المرتبة الثالثة، وهذا بعدما كان المتفوقون يكرمون بمنح دراسية إلى الخارج. وفي ولايات أخرى حصل المتفوقون على أجهزة كمبيوتر، بينما في ولاية الجزائر كرم الأوائل من قبل الوالي وبحضور وزيرتي التربية الوطنية نورية بن غبريت والتضامن والأسرة وقضايا المرأة مونية مسلم بصكوك بمبلغ 500.000 دج لكل متفوق في البكالوريا، فيما تلقى المتفوقون في امتحاني شهادة التعليم المتوسط ونهاية الطور الابتدائي على التوالي صكوكا بمبلغ قيمته 400.000 و300.000 دج. وبالإضافة إلى التكريمات على المستوى المحلي يحظى التلاميذ أيضا بتكريم وطني من خلال استفادتهم من مبالغ مالية أو أجهزة إلكترونية ورحلة إلى خارج البلاد، غالبا ما تكون الوجهة تركيا.وضع التلاميذ المتفوقين في شهادة البكالوريا من حيث قيمة التكريم يمكن اعتباره جيدا، مقارنة بالتكريمات التي تقام على مستوى الجامعات التي لا يتعدى أن يتمثل فيها التكريم على منح “شهادات عرفان وتقدير” دون أي قيمة مالية تذكر لدكاترة وأساتذة أفنوا حياتهم في خدمة العلم. ويروي عمر صافي، أستاذ جامعي، ذكرياته مع التكريم: “أول مرة كُرّمتُ فيها، كان التلفزيون الجزائري ينظم بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية كل نهاية أسبوع حصة كانت تُسمى “ما بين الثانويات”. أتذكر أنني شاركتُ مع ثانويتنا. وكنتُ من أجاب عن سؤال الفيزياء والكيمياء وحصلتُ على علامة 10/10. فازت ثانويتنا على ثانوية من مستغانم. وفي ذلك الأسبوع كُرّمتُ من قِبل البلدية والثانوية والدائرة. يومها حصلت على جهاز راديو (مذياع)”.ومع أن حجم التكريم يعتبر مظهرا من مظاهر احترام الدولة لأبنائها، فإن الجزائر تتوجه بشكل كبير نحو التكريم الرمزي، عن طريق وجبات عشاء على شرف فلان ودروع وشهادات. ويقول علي، كاتب باللغة الأمازيغية في تعليقه على ماهية هذه التكريمات: “هي في النهاية ورقة سياسية، لا دخل للتقشف فيها أبدا، إلى حد اليوم لم أتحصل على أي تكريم مادي أو معنوي من الدولة أو الحكومة أو منظمة ما ناطقة بالأمازيغية”. من جهتها تقول سامية هميسي، ممثلة للعديد من الجمعيات والمنظمات الدولية في الجزائر، على غرار المنظمة الدولية لحماية الطفولة، في حديثها مع “الخبر” أنها حصلت على عدة تكريمات ومن مؤسسات حكومية مختلفة وتوضح: “كل التكريمات كانت رمزية، بدروع فقط. التكريمات المادية فقط للاعبي الرياضة”.وللدولة طبعا تكريماتها الخاصة جدا والمناسباتية، حيث كرم الوزير الأول، عبد المالك سلال، خلال السنة الحالية مجموعة من الفنانين، بالإضافة إلى إشرافه على تكريم الفائزين الأوائل في مسابقة الجزائر الدولية لحفظ القرآن الكريم وتفسيره وتجويده، وكذا المسابقة التشجيعية الوطنية لصغار حفظة القرآن وذلك بمناسبة إحياء ليلة القدر المباركة بالجزائر العاصمة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: