"للأسف الخطاب السياسي صوّر المجاهدين على أنهم ملائكة"

+ -

 أبرز البروفيسور رابح لونيسي، الأستاذ في التاريخ بجامعة وهران، أن “الجزائر مرت في كتاباتها التاريخية منذ 1962 بمرحلتين أساسيتين قبل 1988 وبعدها، فقبل 1988 ساد خطاب تاريخي ممجد للثورة لدرجة التقديس لرجالاتها وللمجاهدين، وكانوا يصورون كأنهم ملائكة، وكان الهدف من وراء ذلك إعطاء شرعية وقداسة للسلطة الحاكمة، بحكم أنهم هم أيضا من هؤلاء المجاهدين، لكن في الوقت نفسه منعت كل الكتب التي تتناول تاريخ الثورة، ومنع ذكر بعض الرموز والأسماء، فمثلا منع بومدين الرائد عزالدين من كتابة مذكراته، واشترط عليه عدم ذكر الأسماء”.وأضاف لونيسي: “لكن بعد 1988 والانفتاح ودخول الجزائر عهد الحريات، دخلت العديد من الكتب والمذكرات لمجاهدين معارضين كانت ممنوعة من التداول من قبل، ومنها كتابات حربي و”إيف كوريير” ومذكرات فرحات عباس وغيرهم، فأقبل عليها الجزائري بنهم بسبب الحصار المفروض من قبل، ولأن كل ممنوع مرغوب، فقد كان متعطشا للبحث عن معرفة وقراءة كل ما يتعلق بالثورة وما كان يراه أنه أخفي عليه من قبل، فاكتشف عدة أمور لم يكن يسمع بها من قبل، فبدأ اهتزاز رمزية بعض الشخصيات”.وأشار المتحدث إلى أنه “تبع ذلك بظهور العديد من الشهادات والمذكرات التي قلبت كل ما كان يعتقده الجزائري من قبل، فكان من المفروض أن تكون هذه الشهادات والمذكرات عاملا إيجابيا تساعدنا على كتابة تاريخ الثورة وتقربنا نسبيا من حقائقها، لكن للأسف انساق البعض من أصحاب هذه الشهادات والمذكرات إلى تصفية حساباتهم مع خصومهم أثناء الثورة، ما أثر سلبا على رمزية هذه الثورة”. وعن تأثير هذه الظاهرة على الأجيال، يرى رابح لونيسي أن “هذا التأثير يعود إلى عدة أسباب بإمكاننا معالجتها في المدرسة وبواسطة الإعلام ووسائل الاتصال، دون الابتعاد عن معرفة الحقائق، فالسبب الأول يكمن في أننا غرسنا في أبنائنا في المدارس فكرة أن الاختلافات هي فتنة بدل ما نقول لهم إن الاختلافات طبيعية، فكل الثورات وأمم الأرض تعرف تناقضات سياسية وإيديولوجية وثقافية وطبقية وغيرها، وهو ما ينطبق على الثورة الجزائرية، ومنها الأمة الجزائرية، ولو علمنا ذلك للطفل في المدرسة لكان المواطن، عندما يسمع بتلك الاختلافات والصراعات التي ينقلها الفاعلون التاريخيون، اليوم سيراها طبيعية ولا يفاجأ، وقد كان من المفروض أن نقول للمواطن إنه ليس هناك أي عيب في الاختلافات فهي طبيعية”.وتابع مُحدثنا: “كما أن التقديس المبالغ فيه الذي تلقاه الجزائري من قبل جعله يغيب عن ذهنه أن الذين صنعوا الثورة هم بشر مثلنا وليسوا ملائكة لا يخطئون ولا يتعرضون للأطماع وحب الذات وحب السلطة، وغيرها من الأمور النفسية التي هي موجودة عند الجميع بنسب متفاوتة”، مواصلا: “أما السبب الآخر الذي جعل المواطن يتأثر سلبا لما ينقله هؤلاء، يتمثل في عدم شرحنا لأبنائنا في المدارس وللمواطن إعلاميا أن التاريخ ليست هي الشهادات والمذكرات، فهذه الأخيرة تتأثر بعدة عوامل كتضخيم الذات والأيديولوجية والجهوية والرغبة في تشويه الخصوم وغيرها من العوامل، ولهذا ليست هي الحقيقة، فالذي يقترب من الحقيقة هو المؤرخ المتكون جيدا والذي يستخدم المنهج العلمي الصارم، ويفكك ويمحص هذه الشهادات والمذكرات”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: