+ -

تطفئ “الخبر”، اليوم، شمعتها الخامسة والعشرين.. ربع قرن من التحدي، من مقارعة الصعاب والعراقيل، صعاب محيط اقتصادي هش تغلب عليه البيروقراطية ومعاداة المبادرات الخاصة في الاستثمار، وعراقيل مشهد سياسي وثقافي لا يقبل بالرأي الآخر ويرفض السباحة ضد التيار والتغريد خارج السرب.. وسط هذه المنظومة، ولدت “الخبر” وقاومت واستمرت، ووسط المنظومة نفسها تعد قراءها ومحبيها بتطوّر أكبر.. بالأمس، كانت المؤسسة والمطابع وشركات التوزيع،واليوم قناة “كي بي سي”، وغدا خوض جاد وجدي واحترافي لتجربة الصحافة الإلكترونية.. علما بأن هذا الغد بدأ اليوم.مؤسسوها وُصفوا في البداية بـ “المغامرين”هكذا ولدت “الخبر”.. وهكذا استمرتلم يكن صعبا على سعيد زوڤاري ورابح خليفي، وهما من مؤسسي صحيفة “الخبر”، العودة بذاكرتهما إلى الوراء لاستعادة تلك الظروف التي حملتهما لتأسيس الصحيفة، فالمغامرة الكبرى ما تزال تسكن الذاكرة، لم تبرحها، مثلما هو حال المشاريع والمنعرجات التاريخية. يقول سعيد زوڤاري، الذي يشغل حاليا منصب نائب المدير العام مكلف بالإدارة، إن الجزائر عرفت عند منتصف الثمانيات بعض التحول نحو ممارسة حرية التعبير والصحافة عندما قررت السلطة إصدار جريدتين عموميتين، هما “المساء” و«أوريزون”. كانت السلطة تروم، حسب اعتقاده، لتمكين الناس من التعبير عن آرائهم بحرية أكبر مقارنة بالفترة البومدينية التي كانت بمثابة مرحلة مصادرة مطلقة لحرية التعبير. وبالفعل، يقول سعيد زوڤاري، بلغ سحب يومية “أوريزون” بالفرنسية أكثر من أربعمائة ألف نسخة، بينما بلغ سحب “المساء” ثلاثمائة ألف نسخة يوميا، وقال: “كان الجزائريون يبحثون عن طريقة مغايرة لمعالجة المعلومة، ويحلمون بهامش أكبر من الحرية بعد سنوات طويلة من التضييق”، وأضاف محدثنا: “لكنني أعتقد أن أحداث أكتوبر 1988 هي التي عجّلت بميلاد خيار حرية التعبير والصحافة التي أقرّها دستور 1989، وعلينا أن نعترف أن السلطة في حد ذاتها كان لها نوايا نحو السماح بهامش من الحرية عقب هذه الأحداث”.ومن جهته، يرى رابح خليفي، نائب رئيس التحرير المكلف بالمراسلين، أن بروز جيل جديد من الصحفيين أكثر ميلا لحرية التعبير وللممارسة الصحفية، البعيدة عن تلك التي كانت تمارس في صحف الدولة، عجّل فعلا بميلاد الصحافة المستقلة، وقال: “ولدت نخبة جديدة من الصحفيين لها عقلية جديدة، تميل أكثر لقيم الحرية.. كان بمثابة وقود هذه التجربة الجديدة التي أصبحت تسمى لاحقا الصحافة الخاصة أو المستقلة”.جيل جديد يميل إلى الاستقلاليةومن جهته، يضيف سعيد زوڤاري، الذي كان مقربا من الوسط الصحفي بصحيفة “الشعب” حيث كان يشتغل: “ظهر جيل جديد من الصحفيين، كانت له ميول كبيرة لدخول غمار الصحافة المستقلة، بعد أن اتضح لنا أن السلطة تريد السير على هذا النهج الجديد.. وبالفعل، لما بدأت تتشكل النواة الأولى من الصحفيين الذين سوف يؤسسون صحيفة “الخبر”، وهؤلاء لم يترددوا ولم يشككوا في التجربة. كانوا يعتقدون أن الصحافة المستقلة هي الوحيدة التي تكفل لهم هامشا من الحرية ظلوا يبحثون عنه”.كان هذا الجيل الجديد، حسب سعيد زوڤاري، يشعر باللاجدوى، لذلك لم يتردد أبدا في خوض غمار التجربة الجديدة والتوجه نحو الصحافة المستقلة، وقال: “ بمجرد أن اتصل بي المرحوم عمر أورتيلان، وطلب رأيي في إمكانية الانضمام إلى المشروع، لم أتردد ووافقت بسرعة، إذ كنت أرغب فعلا في تغيير الأجواء والمساهمة في مشروع إعلامي جديد ووضع حد للممارسات القديمة التي عملت بها منذ سنة 1982، بقسم الأرشيف في يومية “الشعب”“. ويرى رابح خليفي أن “التجربة لم تكن سهلة في البداية، إذ تأسس فريق “الخبر” من صحافيين جاءوا من صحف مختلفة، من “الشعب” و«المساء” و«وأضواء” و«الوحدة”. لم يكونوا منسجمين من حيث توجهاتهم السياسية والأيديولوجية، لكنهم كانوا متيقنين بأن فرص النجاح مضمونة ومتوفرة”.حنين إلى العهد القديملا يخفي سعيد زوڤاري أن انطلاقة الصحيفة كان يشوبها الكثير من المشاكل والصعاب، وقال: “مع بداية الإعداد لإصدار الصحيفة، بدأت تبرز عوائق كثيرة، منها أن خيار التعددية السياسية وظهور الأحزاب بعد سنة 1989 لم يكن يعني حتما وجود ضمان حقيقي لحرية التعبير، إذ ظهرت أطراف في السلطة عادت للممارسات القديمة التي لا تتماشى مع طبيعة المرحلة، وهي التي كانت تخلق العوائق تلو الأخرى لكبح خيار حرية التعبير والصحافة”.المشككون في نجاح تجربة “الخبر” قالوا عن فريقها الكثير من الكلام، استعاده رابح خليفي وهو يبتسم: “قالوا عنا إننا مغامرون، وثائرون.. الذين لم يكونوا يبدون أي إيمان بالتوجه الجديد الذي بدأ يتبناه المجتمع، هم من كانوا يروجون لمثل هذه الأقاويل”. وعلق خليفي قائلا: “لكن نحن كنا ندرك جيدا أننا بصدد بناء مشروع جديد، وكنا متيقنين أننا سوف ننجح في هذا ­­­­التجربة، حيث كانت تحدو فريقنا رغبة جامحة في الذهاب بعيدا بمغامرتنا، رغم وجود من وقع تحت تأثير أطراف أخرى شككت في المشروع وجعلتهم يتراجعون”. وبخصوص العوائق التي واجهت الصحيفة في البداية، قال زوڤاري: “السلطة ذللت تحويل رواتبنا، وتم تكوين رأسمال الشركة بسهولة، لكن العوائق التي واجهتنا كانت مع المطابع. المشكل الأول طرح مع مطبعة الوسط التي رفضت سحب الصحيفة صباحا، فتحوّلت إلى مسائية حوالي سنة كاملة، ثم إن أموال البيع كنا نستلمها بعد سبعة أشهر. أذكر أننا توجهنا لوزارة الشؤون الاجتماعية في وقفة احتجاجية للتنديد بهذه العراقيل في عهد حكومة السيد مولود حمروش”.لم تكن الانطلاقة سهلة بسبب كل هذه المشاكل التي واجهت مجلس الإدارة الأول، لهذا يقول رابح خليفي: فكرنا في تغيير المدير العام، ومعه مجلس الإدارة، وقد وجدنا أنفسنا مضطرين لإحداث هذه التغييرات بغية إحداث نفس جديد، وتحقيق الوثبة، وأضاف: “مجلس الإدارة الأول وجد نفسه أمام عوائق وعراقيل حالت دون تحقيق أهدافنا في البداية.. لقد بذلوا جهدا كبيرا، بدليل أن بعض أعضائه كانوا ينقلون صفحات الصحيفة إلى المطبعة بوسائلهم الخاصة، وأحيانا بواسطة سيارات الأجرة مهما كانت أحوال الطقس، بدافع من ضرورة الذهاب بالمشروع بعيدا.. إن إصرارنا وإيماننا بالمشروع، أدى بنا إلى المثابرة والتحلي بالعزيمة”.إلى المطبعة في سيارة أجرةوضع مؤسسو “الخبر” كل ما يملكون تحت تصرف الصحيفة، بدءا من سياراتهم الخاصة، وكانوا يقضون الليل وهم يعملون، وأحيانا يقضون الليل نياما على الكرتون بمقر الصحيفة. وبالفعل، لم تكن البداية سهلة.. كانت صعبة وقاسية مثلما قالوا، لكنهم تحمّلوا كل الصعاب وتجلّدوا وواجهوا رياح الرفض.ويتذكر زوڤاري كل تلك المرحلة القاسية، ويقول: “لما بدأت بوادر التململ تظهر على المشروع، بسبب المشاكل المالية وتعامل السلطة معنا بطريقة غير مشجعة، إذ كانت تمنح الإشهار لصحيفة مستقلة باللغة الفرنسية صدرت في الفترة نفسها، بينما كانت تحرمنا نحن الصحيفة المعرّبة، وجدنا أنفسنا أمام ضرورة تخفيض رواتبنا إلى نصف ما كنا نتقاضاه. كما شرعنا في تطبيق إجراءات تنظيمية جديدة في حدود سنة 1992، أي بعد سنة من صدور العدد الأول من الصحيفة، وتم تكليف الصحفي حمزة تلايلاف بالإدارة، وساعدتنا ظروف تلك المرحلة التي عرفت نشاطا مكثفا للأحزاب السياسية في الحصول على إشهار ساعدنا على النهوض وتجاوز النفق المظلم الذي كدنا ندخل فيه بلا رجعة”.وعلق رابح خليفي قائلا: “ثم أن إيمان الجزائريين بمشروعنا وتبنيهم لصحيفتنا، ساعدنا على تحمّل الصعاب، فـ “الخبر” بدأت تجد طريقها إلى القرّاء شيئا فشيئا بسبب طريقة تعاطيها مع المواضيع، التي تختلف عن تلك التي تعوّد عليها منذ الاستقلال”.يقول زوڤاري، وهو يتحدث عن المراحل التي مرت بها الصحيفة: “بعد انتهاء مرحلة التحضير للصحيفة، ومرور السنوات الثلاث الأولى، اتضح أن التجربة لم تعط الثمار المرجوة والوجه الذي نريده، فجاءت المرحلة الثانية عند تعيين السيد شريف رزقي على رأس الصحيفة سنة 1993، فحدثت الانطلاقة التي كنا نرجوها فعلا.. أما المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الانطلاقة الفعلية، فقد بدأت عند نهاية التسعينات مع تحوّل الصحيفة إلى مؤسسة”.  وبخصوص المبيعات قال زوقاري: “بدأت المبيعات تعرف تزايدا مستمرا، ابتداء من سنة 1994، وهي السنة التي عرفت تدعيم الصحيفة بشبكة واسعة من المراسلين عبر الولايات. ومن عايش هذه المرحلة، يتذكر جيدا كيف انتقل الصحفيون من الكتابة على ورق “الفاكس”، إلى الكتابة على الورق الأبيض العادي. كما بدأت مشاكل الطباعة تعرف طريقها نحو الحل، بعد أن انتقلنا إلى التوزيع عبر شركات خاصة عند “ترونسكوم ايكسبريس” أولا، ثم عند شركة “سوديف” التي أسسناها مع جرائد مستقلة أخرى مثل “لوسوار دالجيري” و«الوطن”.لم تعمر الشركة طويلا، فتم إنشاء شركة “آل دي بي” مع صحيفة “الوطن” سنة 1998.. هنا تطور التوزيع وأصبح يمس كل مناطق الوطن، وبلغ سحب الصحيفة خلال هذه المرحلة، أي عند سنة 1998، أربعمائة ألف نسخة. وبالنسبة للتوزيع في الغرب، اتصلنا بشركة “إيناميب”، وفي الشرق أصبحنا نوزع مع شركة “كادي بو” التي أسستها “الخبر” سنة 2008”. ويعترف سعيد زوڤاري ورابح خليفي، بأن المجهود الذي بذله الصحفي عمر كحول الذي انتقل إلى العمل بشركة “آل دي بي”، كانت له ثمار كبيرة، ساهمت في تطوير التوزيع إلى حد كبير.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات