+ -

 قال علي جري، المدير العام الأسبق لصحيفة “الخبر”، إن أحداث أكتوبر 1988 هي التي فجّرت فكرة الصحافة المستقلة، التي أدت إلى ميلاد صحيفة “الخبر” يوم الفاتح من نوفمبر 1990. واعتبر جري أن الصحافة المستقلة عبارة عن جزء من التعددية الحزبية، ودونها لم يكن بالإمكان ميلاد شيء اسمه الصحافة المستقلة.يعتقد علي جري، الذي يشغل حاليا منصب مدير عام قناة “كاي بي سي” “الخبر”، أن تجربة الصحافة المستقلة التي أدت إلى ميلاد صحيفة “الخبر”، جاءت في ظروف معينة، منها حالة الغليان الفكري الذي تأجج بين صحافيي الحزب الواحد، حيث كانت هناك عدة حساسيات وتوجهات إيديولوجية، فكان هناك اليساري، والإسلامي والمحافظ، إضافة إلى بعض المتمردين الذين رفضوا الانضواء تحت لواء هذه التوجهات. وقال جري: “حسب اعتقادي، كان يوجد شبه تعددية في أوساط الصحافيين خلال فترة الحزب الواحد، وكان هناك صراع بين المحافظين والإصلاحيين وبين اليسار ممثلا في حزب الطليعة الاشتراكية.. لذا عندما وقعت أحداث أكتوبر 1988 وجاءت التعددية، كان هناك في الحقيقة من كان متأثرا باتجاه معين، لذلك برزت قناعات وتوجهات لدى الصحفيين جعلتهم يختارون وجهتهم بعد التعددية السياسية، واختيار المشروع الذي يناسبهم ويتناسب مع توجهاتهم الفكرية والإيديولوجية وحتى المهنية”، وأضاف جري: “ولدت “الخبر” في ظروف صعبة للغاية، فالسلطة في تلك الفترة كانت تميل للتوجه الفرانكفوني، فدعمت بالصحف المفرنسة بالإشهار، وهو ما لم تفعله مع “الخبر” كصحيفة معربة، من هنا يمكن القول إن الصحيفة ظهرت في ظروف تحكمت فيها منافسة غير متكافئة. فمن جهة، كان هناك صحافة مفرنسة لها تقاليدها العريقة ولها القدرة على لعب دور من حيث التأثير على مستوى القرار. ومن جهة أخرى، كانت الصحافة المعربة التي ارتبطت للأسف الشديد بالبلاط أو بالتيار المحافظ، وعليه كان أمامنا تحدٍ كبير هو إنجاز مشروع يعمل على إبعاد تهمة الولاء على الصحفي المُعرب حتى يكون حاملا لقيم العصر والحداثة، وتجاوز فكرة أن كل ما هو معرب تقليدي”.اخترنا لغة بسيطة للتعبير عن هموم الناسوبحسب علي جري، فقد رافق المجموعة التي أسست “الخبر” تحدٍ كبير تمثل في إنشاء مشروع يحمل القيم الإنسانية والديمقراطية، والحرية، وقال: “إن لغة الاتصال التي اختارتها “الخبر” منذ البداية، كانت عبارة عن لغة بسيطة للتعبير عن هموم الناس، والتقرب أكثر من لغة عامة الجزائريين، ومن هنا تمكنت من استقطاب فئة كبيرة من المترددين، وحتى من القرّاء المفرنسين الذين شعروا أن الخبر عبارة عن مشروع حامل لقيم عصرية، فتخلوا عن أفكارهم المسبقة السلبية”. ويرى جري أن البداية كانت صعبة، لأن الصحيفة جاءت بلغة جديدة من حيث الكتابة والمحتوى، فبقيت تتأرجح بين الصحافة المفرنسية وبين نظيرتها المعربة، إلى درجة أن المحافظين ألصقوا بصحافييها عدة علامات، منها أنهم أسسوا صحيفة تفكر بالفرنسية وتكتب بالعربية، وقال: “لكن القرّاء في النهاية احتضنوا الفكرة وأدركوا أن “الخبر” قريبة جدا من انشغالاتهم ومعاناتهم اليومية. وفي النهاية، تمكننا من التغلب على الأفكار الجاهزة والعلامات التي ألصقت بنا عبر فرض أسلوب جديد في الكتابة الصحفية، إلى درجة أن “الخبر” تحوّلت اليوم إلى مدرسة. وبالفعل، نجحنا في قضية مهمة؛ وهي إنشاء صحيفة بالعربية قادرة على منافسة أي صحيفة مفرنسة من حيث المحتوى والنوعية”، وأضاف: “لقد اقتربنا من واقع الناس ومن همومهم، وأصبحنا صحيفة الأغلبية الساحقة، وصوت المقهورين والمهمشين”.ويعتقد علي جري أن صحفيي “الخبر” حققوا هذا الإنجاز رغم نقص التجربة في مجال الاحترافية خلال السنوات الأولى من عمر الصحيفة، وصرح قائلا: “وجدنا أنفسنا في النهاية في صحيفة فيها اختلاف فكري كبير، وتتخبط في البداية في خطها الافتتاحي وفي علاقتها بالسلطة. لكن أداء مهمتنا الصحفية بمهنية، أدى إلى تجاوز كل هذه الصعاب في ظرف قياسي”، وأضاف: “وأعتقد أن مرحلة العشرية الحمراء ساعدتنا كثيرا على تجاوز خلافاتنا الأيديولوجية والالتفاف حول مشروع مهني وتحديد الأولويات، منها أن الصحيفة لا يمكن أن تستمر إلا في داخل نظام ديمقراطي يضمن الحريات، بما في ذلك حرية الصحافة والإعلام والتعبير”.اليساريون وصفونا بـ “الإسلاميين”، والمحافظون اعتبرونا شيوعيينانطلقت “الخبر”، يقول علي جري، وهي مستقلة تماما عن القوى المالية والسياسية، ولا يزال يتذكر تلك النقاشات التي كانت تدور داخل هيئة تحرير الصحيفة بين صحفيين لا يحملون القناعات السياسية نفسها، إلى أن استقر رأي الجميع على ضرورة إنشاء صحيفة بعيدة عن كل التجاذب السياسي. كما لا ينسى الملصقات التي كانت ترمى بالصحيفة، والأحكام المسبقة التي راحت ترافقها، وقال: “اليساريون قالوا عنا إننا إسلاميون، والمحافظون اعتبرونا شيوعيين، وفي الواقع كانت التركيبة البشرية داخل الصحيفة لا هي إسلامية، ولا هي يسارية، ولا هي من المحافظين بالمفهوم السياسي.. كان هناك تنوع، بيد أن الإرهاب كان بمثابة إسمنت دفعنا لتجاوز خلافاتنا والاتفاق حول مقاربة مهنية للعمل الصحفي، والوقوف عند معنى مشترك للاستقلالية، ومن هنا بدأت تتشكل معالم خط “الخبر”، وهو خط متوازن ومعتدل يعتمد على المعلومة، وليس على التعليق، وذلك ما ساعدنا كثيرا على بلوغ مرحلة المبيعات المرتفعة”، وأضاف: “تجاوزت الصحيفة مرحلة سن المراهقة في فترة وجيزة جدا، وبالضبط بعد أربع سنوات من تأسيسها، ليأتي المنعرج الكبير عندما بدأنا ندرك أنه يوجد حولنا إمكانيات كبيرة ورغبة عند القرّاء لمرافقتنا نحو صحيفة كبيرة، فكان الوعي بضرورة الانتقال من صحيفة بالمفهوم التجاري، إلى المؤسسة، إذ لم يكن يمكن أن تتطور الصحيفة آنذاك إلا في حالة ما إذا وضعت في فضاء مؤسساتي، فانتقلنا من فكرة تعاونية للصحفيين، إلى فكرة المؤسسة، وهو الانتقال الذي رافقه مجهود كبير من لدن الصحفيين ومن الطاقم المسير، وفي ظرف قياسي تم تجاوز عراقيل التوزيع والطباعة، وجرت عملية الانتشار الأوسع عبر خيار العمل الصحفي الجواري والتركيز أكثر الحدث اليومي الاجتماعي، والعمل الميداني، وكلها خيارات جاءت بعد تراجع المعلومة الأمنية مباشرة، فتم توسيع المكاتب الجهوية، والتركيز على الصفحات المحلية للتعبير أكثر عن انشغالات المواطنين ومشاكلهم اليومية”.وختم جري كلامه قائلا: “أعتقد أن التحدي الحقيقي اليوم هو كيف نجعل من هذه الصحيفة تحتفظ بمكانتها داخل المجتمع، وأعتقد أن ذلك لن يتحقق إلا بواسطة التوجه أكثر نحو تطوير التجربة، وتجنب الاعتماد على الشرعية التاريخية، فأحسن شرعية هي التأقلم مع الوضع بغية التطور”.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات