+ -

 كشف الانقطاع الأخير الذي عرفته شبكة الإنترنت عن حالة متقدمة من “الإدمان” يعيشها الجزائريون في العالم الافتراضي، حيث أدخلهم هذا الانقطاع في دوامة من القلق، وفجر موجة من الانتقادات والتعليقات الساخرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي الحياة العامة، متهمين “القرش” بإفساد حياتهم.مع اقتراب نهاية السنة، يتوقع الجزائريون أن تتصدر سمكة “القرش” التي يقال إنها أكلت “كابل” الإنترنت وتسببت في عزلهم لأيام عن العالم، قائمة أشهر “الشخصيات” الجزائرية خلال سنة 2015. وفور إعلان اتصالات الجزائر عن تسجيل انقطاع كابل من الألياف البصرية في البحر يربط مدينة عنابة بمرسيليا يوم الخميس 22 أكتوبر، وتسببه في انقطاع الإنترنت بشكل كلي عن عدد كبير من المستخدمين بينما عرفت تذبذبا وضعفا كبيرا عند بعض المحظوظين، توجهت أصابع الاتهام إلى “القرش” التي انهال عليها الفيسبوكيون بالشتائم وتوعدوها بالانتقام، لا سيما أن “الكابل” المستهدف يمر عبره جزء كبير من حركة الإنترنت في الجزائر، وأشغال تصليحه تستغرق أياما.هذا ما فعلته “القرش” بالجزائريينولم يجد الجزائريون ما يواجهون به التوتر والضغط الذي خلقه لهم هذا الانقطاع والتذبذب في تدفق خدمة الإنترنت التي تعتبر الفضاء الوحيد للترفيه عند غالبيتهم، غير التنكيت الذي أخذت “القرش” حصة الأسد منه، بعدما عطلت مصالحهم في غرف الدردشة والتواصل، مرددين عبارة “يا حوتة ومادرتي فينا، يا حوتة مرمدتينا”. وتسببت القرش في تهديد علاقاتهم مع الأجانب وأفشلت مخططاتهم وحلمهم في الحصول على “الفيزا” والهروب من البلاد.هي حالة وليد الذي تربطه “علاقة” عبر الإنترنت بفتاة ألمانية يخطط للزواج منها والهجرة، فمع انقطاع الإنترنت كان لا بد من العثور على طريقة للتواصل معها، فاضطر للتنقل من ولاية سكيكدة إلى قسنطينة بحثا عن الإنترنت ليرسل لها رسالة إلكترونية يعتذر فيها عن الانقطاع، ويعلق وليد “الله يلعن هذا القرش، يعني بقات غير هي تزيد تفسد عليا”. من جهته يعلق نور الدين ساخرا على هؤلاء الذين يُعتبرون من أكثر الفئات تضررا جراء انقطاع الإنترنت “الڤاوريات هكذا، اليوم ليك غدوة خاطيك، تروح الإنترنت نهار خلاص راح عليك المشروع”.ورغم التدفق الضعيف جدا للإنترنت خلال أيام انقطاع “الكابل”، فإن من أسعفهم الحظ في دخول العالم الافتراضي لم يفوتوا الفرصة، فأغرقوا صفحات الفيسبوك بالعبارات الطريفة للقضاء على الملل الذي أصابهم، على غرار “يا من راكم مكونكتيين من أين لكم هذا؟”، أو كما تعلق إيمان “الإنترنت رايحة جاية، جاية رايحة، على أساس دار باباها”. وأمام محدودية التدفق التي رفعت ضغط الدم عند آخرين، بدأت النداءات الفيسبوكية “يرحم والديكم لي راه يتيليشارجي يحبس”، في حين وجه آخرون تعليقاتهم الساخرة نحو الوزيرة “الشابة” كما يسمونها، ومشاركة قصة “تاكلي الجاج” التي اكتسبت شهرة فيسبوكية تعادل شهرة “القرش”.وتوقف الفيسبوكيون عن الحديث في السياسة وأمور البلاد والعباد، وحصروا منشوراتهم في مشكلة الإنترنت وتدفقها الضعيف، متسائلين إلى متى هذا الوضع الذي لا يطاق، معلقين “يا جماعة وصل بابور الطليان لعنابة لإصلاح عطب الإنترنت ولا لبحر راه هايج؟”.جزائريون يطلبون “مود باس” من تونس!وتلقى هذه العبارات الساخرة رواجا سريعا في “العالم الأزرق”، من خلال عدد التعليقات والمشاركات التي تحظى بها وتحولها إلى قضية “رأي عام”. وفي وقت استسلم فيه الجزائريون وسلموا أمرهم لله في الأزمة التي أصابتهم، لم يتقبل آخرون هذه الحقيقة وأفرغوا سخطهم على “اتصالات الجزائر”، مهددين “بالهجرة إلى الموزمبيق”، بينما طلب عدد كبير من الذين لم يهضموا فكرة البقاء دون إنترنت لأيام، الرقم السري “المود باس” الخاص بالدولة الشقيقة الجارة تونس!ولم تتوقف ردود الأفعال الشعبية، خاصة منهم الشباب، حول هذا الانقطاع، ما يعكس حجم الاضطراب الذي خلفه غياب الإنترنت، ووصل بهم الأمر إلى اقتراح يوم وطني للإنترنت “أقترح يوما وطنيا للإنترنت وجائزة الدولة التقديرية للصبر على تمرميد الإنترنت الوطنية للناس”، معتبرين أن ما يعانون منه بسبب الإنترنت غير مقبول، منتقدين الأسعار “لخلاص بالشهر وتكونيكتي بالزهر”، وصولا إلى السخرية من المؤسسة المسؤولة عن مأساتهم والتي بدل شعارها “وكيلكم الأقرب”، اقترحوا “وكيلكم ربي”.مشاعر الشباب.. المتضرر الأكبرحجم “مأساة” الفيسبوكيين ظهر في منشوراتهم التي أثبتت درجة ارتباط الجزائريين بالعالم الافتراضي، والذي تسبب غيابه في تغيير عاداتهم ونمط حياتهم، ووجدوا صعوبة كبيرة في التأقلم مع عالمهم الاجتماعي دون إنترنت، نتيجة التوتر النفسي الذي خلقه لهم هذا الفراغ، فلجأ أغلبهم للنوم العميق، خصوصا أن أيام انقطاع الإنترنت تزامنت مع انخفاض في درجة الحرارة وتساقط الأمطار، بعدما كانوا يسهرون حتى الصباح، وهنا يعلق رضا “لا شيء أجمل من النوم في ليالي الشتاء الطويلة غير عودة الإنترنت”.متعة النوم هذه لم تغر جزءا كبيرا من رواد “العالم الأزرق” الذين عادوا إلى أجواء الأسرة والسهر مع الأقارب بشعار “فرصة نتعرفوا على الدار”. وهي اللمة التي فقدتها العائلة الجزائرية مع انتشار التكنولوجيا التي جعلت أفرادها يسهرون إلى أوقات متأخرة من الليل أمام شاشة الكمبيوتر.هذا الانقطاع الذي غير حياة الجزائريين وأخلط أوراقهم لمدة أسبوع، مر في الحقيقة بردا وسلاما على المؤسسات والشركات ومختلف هياكل الدولة وإدارتها، ما يجعلنا نشك في استخدام هؤلاء للإنترنت وتوظيفهم للتكنولوجيا كما يدَّعون، فباستثناء مؤسسة اتصالات الجزائر التي صرحت الوزيرة هدى فرعون أنها تكبدت، خلال 6 أيام من انقطاع الكابل، خسائر بنحو 600 مليون دينار أي 60 مليار سنتيم، بمعدل 100 مليون دينار يوميا أي 10 ملايير سنتيم، لم تعلن أي مؤسسة أخرى عن تضررها من انقطاع خدمة الإنترنت، ما يؤكد أن مؤسساتنا خارج زمن الرقمنة وبإمكانها أن تسير دون إنترنت. وفي هذا الشأن يقول “ج. علي” أستاذ جامعي في كلية الاقتصاد “البنوك الجزائرية مثلا لا تتأثر إطلاقا بانقطاع الإنترنت، لأنها لا تحول أموالا، ومازالت بدائية تعمل كأنها صندوق تضع به نقودك ويجب أن تستخرجها منه، مواقعها بلا تحديث، كل ما تحتاجه انتظار تقرير أسبوعي حول أسعار الصرف يرسل لها من البنك المركزي، بريد الجزائر يستخدم الإنترنت أكثر منها”.وإذا كانت فكرة انقطاع الإنترنت لمدة أسبوع في أي بلد آخر غير منطقية إطلاقا وتبدو كارثة إنسانية حقيقية قد تعطل مصالح الدولة وتتسبب في إفلاس شركات، فإن انقطاعها ممكن جدا في الجزائر التي أثبتت أنها لا تحتاج إلى الإنترنت لتسيير شؤونها، وبإمكانها التخلي عنها لولا احترام مشاعر الشعب وخاصة الشباب الذي تبين أنه المتضرر الرئيسي من انقطاع هذه الخدمة. وتشبه حادثة الانقطاع هذه قصة ذلك الياباني الذي يعمل في شركة أجنبية في الجزائر، وبينما كان عند الحلاق انقطع التيار الكهربائي، فبدأ في البكاء والصراخ مستغربا لعدم تفاعل الجزائريين، وبعدما استعاد هدوءه تساءل “في اليابان لا تنقطع الكهرباء إلا إذا كان هناك زلزال أو كارثة طبيعية تقضي على آلاف البشر”، أما في الجزائر فإن الكهرباء تنقطع لساعات وأيام بسبب الأمطار، وتنقطع الإنترنت أيضا لأسبوع بسبب “قرش” كما يقول الشباب، ولنا أن نتخيل ردة فعل الياباني إذا سمع معلومة كهذه، فعلى الأغلب سينتحر.الجميع يحقق.. من “المجرم”؟قصة “القرش” التي أكلت “الكابل” هي في الحقيقة مجرد نكتة واسعة الانتشار، ومع ذلك اجتهد كثيرون من باب السخرية دائما في تبرئتها من الجريمة، وتعلق مريم “لو نطق القرش لقال أنا بريء براءة الذئب من دم يوسف”. وطرح الفيسبوكيون تساؤلات جدية حول علاقة انقطاع الإنترنت بتركيب أجهزة تجسس، حيث بدأت الشكوك تحوم حول طبيعة انقطاع “الكابل” والقدرة على الدخول إلى مواقع دون أخرى، ما أثار استغراب بعض الذين روجوا لفكرة ارتباط تذبذب الإنترنت بأجهزة التجسس، معللين ذلك “بأن انقطاع الإنترنت يكون كليا، وليس على الفيسبوك فقط، أكيد يوجد سر”. وهي الشكوك والفرضيات التي تبناها عدد كبير من الجزائريين لتحذير أصدقائهم وتنبيههم إلى وجودهم تحت الرقابة حتى لا يقعوا في الفخ. وقابل آخرون هذه التحذيرات بالسخرية ولم يقبلوا فكرة التجسس، معلقين “منكم بالصح يا جماعة خايفين من الرقابة، نحن مراقبون مند تاريخ ولادتنا”، وفي تعليق آخر “شعب يظن أن سبب انقطاع الإنترنت هو تركيب أجهزة تجسس على حساباتهم.. أنتم مراقبون من زمان”. أما البعض فقد نشروا تطمينات بدعوى أن شركة فيسبوك تحذر الحكومات من فرض الرقابة على مشتركيها. ومن باب الطرفة دائما طالبت فئة أخرى بالتحقيق مع وزير الإعلام الذي يشتبه فيه أيضا في تخريب “كابل” الإنترنت، باعتباره المستفيد الوحيد من انقطاع الإنترنت في الجزائر، كون الانقطاع تزامن مع الحملة التي شنها ضده الفيسبوكيون على خلفية قضية التفتيش التي تعرض لها في مطار فرنسا. وقد تزايدت حدة الشكوك والتعليقات الساخرة حول “المجرم” الحقيقي المسؤول عن انقطاع الإنترنت، مع نقل وسائل الإعلام خبرا حول فتح وزارة الدفاع الوطني تحقيقا في سبب انقطاع “الكابل” البحري ذي التدفق العالي، كما نقلت جريدة “الخبر” سابقا أن نائب وزير الدفاع كلف وحدة متخصصة في أمن المعلومات بالتحقيق، حيث يشتبه أن يكون عملا تخريبيا سبَّب الحادثة، مستعينا بغطاسين مختصين من أجل جمع الأدلة لأن “الكابل” البحري تم تجهيزه بشكل يجعله قابلا للتقلبات والعواصف البحرية، وقادرا على تحمل مختلف العوامل الطبيعية تحت البحر، بما فيها الأسماك الضخمة والكبيرة، وهو ما اعتبره الشعب تبرئة تامة لـ “القرش” من التهمة التي وجهت لها. ويبدو أن السلطات في الجزائر التي نبهت في هذا السياق على خطورة هذا النوع الجديد من الاعتداءات التي قد تكون الجزائر عرضة لها، من خلال الإضرار بشبكة اتصالات الجزائر عبر الإنترنت، أرادت أن تخبر الجزائريين أنهم غير مستهدفين في مؤسسات الدولة لأنها غير معنية بهذه الشبكة، وإنما في عواطفهم التي أصبحت مرتبطة بالعالم الافتراضي.عودة “الخدمة”.. الزغاريد في الفيسبوك والوزيرة تطمئنمع عودة تدفق الإنترنت إلى حالته الطبيعية والإعلان عن إصلاح العطب، بعد أن قامت الفرق التقنية المكلفة بعملية التصليح بربط “الكابل” المتضرر الرابط بين مدينتي عنابة ومرسيليا، انتشرت في “الفيسبوك” التهاني والتبريكات على شاكلة “بمناسبة عودة الإنترنت صح أنترناتكم وكل سنة وأنتم مكونيكتين”، وعمت أجواء الفرح والزغاريد “زغردوا يا نسا انتهاء أشغال صيانة الكابل المتمزق قبالة سواحل عنابة”. وإطلاق حملة “يوم وطني للإنترنت”. واعتبر الجزائريون عودة خدمة الإنترنت بمثابة عودة الحياة لهم، وارتباطهم من جديد بـ “الحبل السري” الذي عزلهم عن العالم الخارجي، وهنا يعلق إسماعيل “أوووف.. أخيرا تهنينا، كابل واحد نسفنا من وجه الكرة الأرضية، وكأنه الحبل السري: يتقطع تموت”. ولم تنه عودة الإنترنت غضب الجزائريين من مؤسسة اتصالات الجزائر فعلقوا “عودة الخدمة.. نتأسف عن إزعاج زبائننا الكرام. تقول زعما كنا مرتاحين قبل الانقطاع”.وظل التخوف قائما عند فئة أخرى من عودة كابوس الانقطاع، فنشروا صورا كاريكاتيرية تعبر عن مشاعرهم “يا لطيف، نمت الكابل تقطع مرة أخرى”.وسط هالة الفرح والتهاني والزغاريد التي تعالت في صفحات الفيسبوك وشغلت الجزائريين، كانت وزيرة البريد وتكنولوجيات الاتصال هدى فرعون تطمئن الشعب بإنجاز مشاريع لتحسين خدمة الإنترنت بداية من السنة المقبلة، وتعويض الزبائن بسبب العطب الأخير بمنحهم 6 أيام ربط مجاني بالإنترنت.وتتمثل هذه المشاريع في الخط الأول بين وهران وفالنسيا الذي سيكون جاهزا سنة 2017، بتكلفة تصل إلى 26 مليون أورو، وسيتم تمديده إلى العاصمة “ألفال” بتكلفة تصل إلى 10 ملايين أورو، علما أن سعته ستكون بنحو 100 جيغابايت في الثانية وقابلة للتمديد، مضيفة أن الأسعار ستعرف تخفيضات مرحلية إلى أن تصل إلى السعر المتعارف عليه دوليا، كما كشفت عن موافقة نهائية من طرف سلطة الضبط للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، على قرار يقضي بتسريع نشر خدمة الجيل الثالث عبر الولايات.وطرحت الوزيرة قضية فرض ضرائب وأعباء جديدة على استيراد الهواتف وأجهزة الحاسوب المستوردة، بموجب قانون المالية لسنة 2016، بعدما قامت الدولة بإعفاء هذه المنتجات سابقا من الضرائب من أجل “رقمنة البلاد” التي تأكد أنها خارج مجال الرقمنة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: